ماذا وراء ضعف اهتمام دارسي العربية من نيجيريا بالشؤون الوطنية كتابةً ودراسةً ؟

آدم يوسف أموبولاجي
آدم يوسف أموبولاجي - نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.

إن الإنسان الواعي اليقظ الذي يستحق لقب المثقف هو ذلك الذي يحمل هموم قومه ، ويتناول بقلمه قضاياه التي تمس صلب حياته اليومية ، وشؤونه التي أنيطت به ، ولا يسمح لأي موج أن يعصف بهويته التي تمثل الجذر الذي منه امتداده ، ولا يستخف بأي شيء يعبث بأرضه التي إليها انتماؤه وانتسابه ، ويمضي قدما في أن تكون كل الإضافات الجديدة التي لا تمت إلى ثقافاته الأصلية بصلة عونا لثقافته الأصليه إما عن طريق الأخذ وهذا يكون بإيراد المعطيات الثقافية بعد تطعيمها بآليات تجعلها تبدو مرنة في الثقافة المستقبلة ، أو عن طريق العطاء بعد تقليمها وجعلها تخلع ثوب القومية الضيقة إلى العالمية الواسعة وعلى نحو يمكن الآخرين من استساغتها .

فالمتابع لكل مستجد من الأنشطة الثقافية والإبداعية على صعيديه المحلي والدولي يجد أن المستعربين الأفارقة دارسي العربية عامة والينيجيريين منهم على وجه الخصوص قليلو الاهتمام بقضايا قومهم كتابة ودراسة بل ومعرفة ، حيث تجد بعضهم لا يعرفون أي جديد طرأ على قضايا أمتهم، ولا يعبأون بمتابعة المنصات الإعلامية والقنوات الفضائية لمعرفته ؛ فضلا عن تحويل القدرات الهائلة التي منحوا وتسخيرها لخدمة قومهم وذلك بدراسة قضاياه باللغة العربية لإطلاع غيرهم ممن لا يعرفون غير العربية على هذه الأمور.

وانطلاقا مما سبق ذكره يهدف هذا المقال إلى البحث عن أسباب قلة اهتمام دارسي العربية من نيجيريا بالشؤون الوطنية كتابة ودراسة ، واقتراح بعض الحلول التي قد تخلصنا من هذه المعضلة.

 من هم دراسو العربية من نيجيريا؟

إن دارسي العربية من نيجريا جزء لا يتجزأ عن دارسي العربية من إفريقيا ، الذين يطلقون عليهم اسم “المستعربون الأفارقة” وهذا المصطلح عادة ما يقصد به الذين تعلموا اللغة العربية بوصفها لغة ثانية من دول إفريقيا جنوب الصحراء ، وغالبا ما يكون هذا التعلم بدافع ديني (الإسلام) قبل أن يكون لسبب آخر.

وقد حاول الدكتور الخضر عبد الباقي في مقاله “المستعربون الأفارقة وتحديات الهوية” تصنيف المستعربين الأفارقة إلى خمس فئات، واعتمادا على هذا التصنيف يمكن إدراج المستعربين النيجيريين تحت خمسة تصنيفات:

1 – فئة يتكلم أفرادها باللغة العربية وتشعر بالاعتزاز للانتماء إلى هذه الثقافة (لغة القرآن الكريم), وهي الفئة الرئيسية التي تمثل أكثر من 70 في المئة – تباعا لإحصاء الدكتور الخضر – من مجموع المستعربين في نيجيريا.

2 – فئة لديها حظ من العربية ولكنها لا تتحمس للمشاركة في الحياة الثقافية العربية، فهي تحاول أن تقف موقفا حياديا في المعركة الثقافية الفكرية الدائرة في المجتمع.

3 – فئة ذات انتماء للثقافة العربية بحكم التخصص الأكاديمي, ولكنها لا تتكلم العربية، بل أحيانا لديها موقف متحفظ من انتشارها حيث تركت هويتها الثقافية العربية للذوبان في ثقافة الغرب.

4 – فئة لا تتكلم العربية العربية ولا ينتمي أفرادها للعربية ثقافة، ولكنها تتحمس لها وتدافع عنها وتسعى بشتى الوسائل للتمكين لها؛ على الرغم من عدم معرفتها بالعربية أو إتقانها لها.

ولعل الفئة المعنية أكثر من بين هذة الفئات هي الفئة الثالثة بحكم مضيها قدما في دراسة العربية إلى مرحلة التخصص، وبوصفها فئة لديها القدرة على التعاطي مع القضايا العلمية وفق متطلبات مناهج البحث العلمي، بالإضافة إلى أنها تثقفت بثقافة عربية إما لأنها عاشت في الوسط الثقافي العربي أو لأنها عايشت اللغة العربية على صعيد المنصات الإعلامية العربية والقنوات الفضائية ، والمكتبات ، والمجلات العلمية والثقافية.

والفئة الأولى أيضا تدخل في صميم المعنيين؛ كونها تتكلم العربية وتعتزّ أيما اعتزاز بالتحدث بها والانتماء إليها، وإن كانت هذه الفئة تفتقر إلى بعض العوامل التي تعد من العوائق التي تحول بينها وبين الشؤون الوطنية كتابة ودراسة.

ما عوامل قلة الكتابة في الشؤون المحلية الوطنية؟

من بين عوامل قلة الكتابة في الشؤون المحلية الوطنية ما هو مشترك بين الفئتين سابقتي الذكر، ومنها ما هو مختص بفئة دون أخرى. ومن هذه العوامل المشتركة:

1 – عدم شعورهم بالمسؤولية: إن أكثر دارسي العربية من نيجيريا لا يشعرون بأن عليهم مسؤولية وطنية يتوجب عليهم حمل أعبائها بوصفهم دارسي العربية ، غير تأسيس المدارس العربية الإسلامية وتولي المناصب الدينية ، أما الخوض في الحديث عن القضايا الوطنية فعادة ما يشعرون بأنه ليس من واجبهم ، وأنه مجرد إهدار للوقت ومضيعة له ، وأنه لا فائدة تدر عليهم من ذلك.

2 – اعتقاد بعضهم بأن اللغة العربية لا تلبي الاحتياجات الوطنية: يفترض الكثير من دارسي العربية النيجيريين أن اللغة العربية لغة تراث ولغة شعر ، وأنها ليست لغة مواكبة للمستجدات المعاصرة على نحو يمكنهم من التعبير عن كل احتياجاتهم بعبارة سهلة مستساغة تتواءم مع طبيعة سيرورة الحداثة العلمية . ولعله يمكن التبرير لهذا السبب بأن العرب  أنفسهم لا يؤمنون بأن العربية سائغة للتعاطي مع جميع المسجدات الحديثه ، وخير شاهد على هذا تدريس بعض المواد في التخصصات العلمية في المعاهد والجامعات العربية باللغة الإنجليزية.

3 – الشعور بالدونية وعدم وجود تحفيز: إن عقدة الشعور بالدونية من المشاكل التي تقف في طريق دارسي العربية النيجيريين حيث يرون إخوانهم ممن تثقفوا بثقافة أخرى غير العربية، والإنجليزية على وجه الخصوص أعلى منهم منزلة ، وأفضل منهم شأنا؛ الأمر الذي صرف أكثرهم من أن يؤلوا الكتابة بالعربية اهتماما كبيرا ، ولعل السبب الرئيسي لهذا الشعور عدم تلقيهم تحفيزا يرفع من معنوياتهم من قبل مجتمعهم الذي أكثره لا يفهم العربية ، والحكومة التي لا ترى للعربية ولا لدارسيها أي مكان يستحق التنويه والتقدير .

4- غيابهم عن الوسط الثقافي المعاصر: أكثر الذين يعدون من حاملي الثقافة العربية في نيجيريا في ظل الغياب عن الوسط الثقافي العربي المعاصر ، وذلك بجهلهم عن كل تغيير يطرأ على اللغة العربية أو مستجد يحدث فيها ، وعدم متابعة المنصات الإعلامية الخاصة بها لمعرفة كل مما يتعلق بها حتى يبقوا على وعي بكل ما له علاقة بها ، ويعرفوا اللغة التواصلية التي من شأنها أن تسهل لهم  الانضمام إلى مصاف كبار المثقفين الواعين للمجريات.

ومن العوامل الخاصة بالفئة الأولى:

1- القصور الثقافي وعدم إتقانهم للعربية إتقانا يؤهلهم للكتابة بها واستيعابها في كافة الأصعدة ومجالات الحياة : فالفئة الأولى وفق التصنيف السابق ذكره فئة لها إمكانية التحدث باللغة العربية ، لكن هذه الإمكانية ليست بالقدر الكافي كونها –غالبا- تنقصها ثقافة عالية تمكنها من القدرة على الانخراط في الثقافتين العربية والمحلية ، بالإضافة إلى أن مستوى إتقان هذه الفئة للعربية يحتاج إلى مزيد من الجهد ، وتطوير قدراتهم على التعامل مع آليات البحث العلمي.

2 – إيمانهم بأن العربية لغة دين وقرآن ، وليست لغة حضارة وثقافة وحياة : لعل كون أكثر الذين ينتمون إلى هذه الفئة من خريجي المرحلة الثانوية هو الذي جعلهم يزعمون أن العربية ليست كغيرها من اللغات ، وأنها لغة دين فحسب ؛ الأمر الذي جعل بعضهم يرفعونها إلى مرحلة التقديس أحيانا.

فإذا كانت هذه هي العوامل التي أدت إلى قلة الكتابة في الشؤون الوطنية لدى دارسي العربية النيجيريين ، فهذا يدلنا أن أكثر ما يمارسه دارسو العربية النيجيريون من القضايا التافهة والأحداث الترفيهية.

أ- إهدار الأوقات في القضايا التافهة والأحداث الترفيهية:  إن المتابع لحركات دارسي العربية من نيجيريا خاصة على المنصات التواصلية يلاحظ أن معظمها يدور حول القضايا التافهة التي لا تمت إلى الجدية والموضوعية بصلة ، أو إثارة المواضيع التي قد قتلت بحثا ودراسة ، أو تضييق الواسع على الناس في القضايا الخلافية بين علماء الأمة ، أو البوح -علنا- بما لا علاقة له بالعلم ، والمضي قدما في طرح القضايا التي لا تخدم المجتمع ولا تدر عليها بشيء قدر ما تشتته وتثير الضباب حوله .

إذن، لِمَ إهدار الأوقات في القضايا التافهة والأحداث الترفيهية؟

تتلخص الأسباب التي جعلت أكثر المستعربين من نيجيريا يهدرون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه في النقاط الآتية:

1 – ضعف المعرفة بإدارة الوقت وأهميتها، ومدى ما في ضيعته من خسارة.

2 – جهل الكثير من دارسي العربية من نيجيريا بما يتوجب عليهم القيام به.

3 – عدم إعطاء الهوية والقضايا الوطنية القيمة التي تستحقانها، والجهل بالمعنى الحقيقي لكلمة “المثقف”.

4 – غياب مؤسسة معرفية تضع حدّا معرفيا مناسبا لكل ما له علاقة بدارسي العربية النيجيريين، وتشجعهم على الكتابة في القضايا المحلية والوطنية.

ب- الاهتمام بالشعر العربي وحده دون القضايا التي تمس حياتهم اليومية والتحديات الوطنية: الشعر العربي جزء من الثقافة العربية فهو- كما قيل قديما- ديوان العرب، ولا يمكن لأي دارس للغة العربية إهمال دوره في تصقيل لسانه العربي ، وتزويد رصيده اللغوي بمادة ثرة ، فهو وإن كان الاهتمام به يتفاوت من دارس لآخر إلا أنه يلاحظ أن أكثر دارسي العربية من نيجيريا، خاصة المتخصصين في اللغة العربية وآدابها وما يندرج تحته من الأقسام ، يؤلون الشعر نصيب الأسد من اهتمامهم مع قلة اهتمامهم بالفنون الأدبية الأخرى فضلا عن اهتمامهم بالقضايا الوطنية سواء منها المتعلقة بالآداب القومية أو القضايا التي لا تمت إلى الأدب بصلة.

فما أسباب الاهتمام بالشعر العربي وحده؟

استقراء واستقصاء لحالات الكثير من دارسي العربية في نيجيريا تتمحور أسباب الاهتمام بالشعر العربي وحده في :

1 – الزعم بأن القدرة على نظم الشعر العربي أقصى ما يمكن أن يبلغه المستعرب النيجيري.

2 – مرونة الشعر العربي وانسجامه الذي يتمثل في أوزانه وقوافيه مما جعلهم يستسيغونه أكثر من غيره من الفنون الأدبية ، وهذا على وجه التحديد ما جعل أكثر الذين يهتمون بنظم الشعر العربي في نيجيريا لا يمارسون غير الشعر العمودي التقليدي الموزون المقفى.

3 – قلة القراءة والاطلاع على نحو يجعل الإنسان مثقفا واعيا لا مجرد دارس لا يعرف السبيل إلى الخوض في ممارسة ما يخدم مجتمعه الذي يعيش فيه وينتمي إليه.

4 – عدم الإلمام بالأدب المقارن : إن من شأن الأدب المقارن أن يمكن دارسي العربية على معرفة عناصر التأثر والتأثير بين الأمم ، وهذا بلا شك يفتح الآفاق أمام الباحث لدراسة بعض الأشياء التي تأثر فيها قومه بقوم آخر ، أو أثر فيها قومه في قوم آخر مما يخدم أدب قومه .

5 – عدم اهتمام كثير من المدارس العربية في نيجيريا بتدريس قضايا قومهم التاريخية والسياسية والاقتصادية.

خاتمة

ومما سبق يمكن القول بأن معالجة هذه التحديات تتطلب من دارسي العربية من نيجيريا أن يضعوا شؤون وطنهم من الأولويات المنوطة بأعناقهم وعدّها من مسؤولياتهم التي لا يمكن التخلي عنها بوصفهم مثقفين, كما أنهم بحاجة إلى المتابعة الموسّعة للكتب الثقاقية على صعيد الثقافتين الوطنية والعربية مع القضايا العالمية ومتابعة كل المستجدات التي قد يحتاجها المثقف ليكون مواكبا لعصره.

ويلاحظ من أنشطة بعض دارسي العربية أيضا أنهم قد يحتاجون إلى الاستماع إلى اللغة الإعلامية المعاصرة عبر المنصات الإعلامية: الإذاعة والقنوات الفضائية, وأن المدارس العربية في حجة ماسة إلى إعادة النظر في مناهجها التدريسية وإعطاء القضايا الوطنية قدرا مناسبا من المساقات التي يدرسها الطلبة في المدارس.

ومما سيعزز كتابة الدارسين للعربية في شؤون بلادهم ودراستها إيجاد جهة محفزة لهم، حيث تكون هذه الجهة عضدا لهم تشجّعهم وتقدرهم، وتسعى في توفير السبل التي تيسّر لهم أداء المسؤولية، مثل التدريب على الكتابة وتوفير المواد العلمية التي تعين الدارس على البحث، كالكتب والأجهزة العلمية الحديثة وغيرها.

وأخيرا, يتجلى من العرض السابق أن المستعرب النيجيري كغيره من المستعربين الأفارقة، وكما أفاد الدكتور الخضر عبد الباقي في مقاله: “وتأتي إفريقيا في مقدمة تلك المناطق التي بها أعداد كبيرة من المستعربين والمثقفين باللغة العربية، يعيش هؤلاء داخل مجتمعات لا تعترف بهذه اللغة برغم انتماء ملايين من مواطنيها لثقافتها، الأمر الذي جعلهم في حالة عزلة وإقصاء ثقافي، على الرغم من أن وطنيتهم ليست محل تشكيك أو ارتياب”. ولهذا يتوجب على المستعربين النيجيريين أن  يعيدوا رسم هياكل الثقافة العربية للجيل الصاعد من المستعربين النيجيريين على نحو يجعلها تشارك في جميع مجالات الحياة ، وتخدم القضايا الوطنية على اختلاف أصعدتها.

انشر المقال
بقلم آدم يوسف أموبولاجي نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.
- باحث نيجيري مهتم بالأدب والنقد. - طالب ماجستير في الدراسات الأدبية - جامعة القصيم.