تدهور الوضع الاقتصادي الحالي في نيجيريا: أسبابه وسبل الخروج منه

آدم يوسف أموبولاجيحكيم ألادي نجم الدين
آدم يوسف أموبولاجي - نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي. حكيم ألادي نجم الدين - رئيس تحرير مجلة نيجيريا الثقافية.

يمرّ النيجيريون منذ الشهور بأصعب فترات اقتصادية منذ استقلال نيجيريا، حيث تضعف العملة النيجيرية بعد شهور فقط من وصول الرئيس بولا أحمد تينوبو إلى السلطة في 29 مايو 2023، وتتساقط بشكل مذهل أمام العملات الأجنبية، ويعاني السكان من تصاعد أسعار البضائع وارتفاعها، كما أصبحت المجاعة منتشرة في البلاد جرّاء الدخول في أكبر التضخم المالي في منذ 1996. فما التدهور الذي طرأ على اقتصاد نيجيريا؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكن التخلص منه؟

اقتصاد نيجيريا

تمتاز نيجيريا بأنها دولة ذات أكبر سكان في أفريقيا، ولها كثير من الموارد الطبيعة، إلى جانب ما فيها من حيوية تتمثل في ثقافات متنوعة وتقاليد فريدة تسمح لها بالحصول على قوة عمل كبيرة نسبيًا، وتتيح لها القدرة على الحفاظ على العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة. وقد شهد اقتصاد نيجيريا منذ الاستقلال تطورا سريعا، ويعدّ اليوم من أكبر الاقتصادات في القارة الإفريقية، ويتمثّل في العديد من القطاعات مثل النفط والزراعة والصناعة والخدمات والتجارة.

ويدور اقتصاد نيجيريا بشكل متزايد حول الاستيراد والتصدير مع تراجع القدرات الصناعية وتحويل مواردها إلى البضائع تامة الصنع. واليوم، يعد النفط أحد أكبر صادرات نيجيريا، حيث تشري الهند والولايات المتحدة معظم نفط البلاد، مما يجعل حوالي 90 في المئة من أرباح الصادرات النيجيرية تأتي من النفط. وتعتمد نيجيريا أيضا بشكل كبير على الاستيراد، وخاصة المنتجات الغذائية والإمدادات والآلات الصناعية ومواد كيميائية والمعادن والمنتجات النفطية. وأكبر شريك استيراد للبلاد هي الصين، إضافة إلى الدول الأوروبية مثل بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا.

وبناء على تقرير البنك العالمي، فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا في عام 2023 إلى 489.80 مليار دولار، الأمر الذي جعلها في مرتبة الثاسع والثلاثين من أكبر الاقتصاد في العالم. ومع ذلك يواجه اقتصاد البلاد العديد من التحديات، مثل قلة المنتجات وتضخم متصاعد والعجز المالي والقروض المالية الهائلة وتبادل العملات الأجنبية الذي يؤثر سلبيا على قيمة عملة نيرا النيجيرية.

التدهور الاقتصادي الحالي وأسبابه

كشف الرئيس بولا تينوبو، في خطابه الأول بعد أدائه اليمين الدستوري بوصفه رئيسا لنيجيريا في اليوم 29 من شهر مايو للعام الماضي، أن ميزانية 2023 لا تتضمن مخصصات لنظام دعم الوقود، وأن هذا يعني أنه لن يكون هناك نظام لدعم النفط لأن الميزانية لا تحتويه، مبيّنا أن الحكومة غير قادرة على تحمله لكونه يستنزف الممتلكات العامة والإيرادات الحكومية التي يمكن تحويلها إلى قطاعات ومشاريع تنموية أخرى، حيث أفادت التقرير الذي قدمته الشركة العامة للبترول في نيجيريا (Nnpc) أن الدعم الذي يقدم للنفط يكلف الحكومة أكثر من 400 مليار نيرا وهذا يعادل (867 مليون دولار) شهريا.

وقد شكل تصريح تينوبو ذاك توترا وقلقا للكثير من المواطنين، وأدى بهم إلى الاصطفاف في محطات الوقود من أجل الحصول على الوقود الاحتياطي. بل وتزايدت أسعار الغاز إلى ما يربو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل سواء في المتجر الذي يديره الفرد أو في المتاجر التابعة للحكومة. بل وأدى رفع الدعم الحكومي عن المنتجات المستوردة سعيا في تخفيف الأسعار على الشعب سابقا، إلى دخول العملة النيجيرية في انهيار مستمر أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي جعل أسعار البضائع والمنتجات الغذائية الأساسية تتصاعد يوميا، وهو ما أزعج الكثير من النيجيريين وأفضى بهم إلى الاحتجاج ضد الحكومة طلبا لإصلاح الوضع.

ومما يفاقم من الوضع اعتماد نيجيريا المفرط على المنتجات المستوردة، وسيطرة العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمريكي على اقتصادها منذ عهد بعيد، مما جعل الدولار الأمريكي يشكّل تهديدا لقيمة نيرا، وخاصة أن الحكومة النيجيرية نفسها ونسبة كبيرة من النيجيريين يتعاملون بالدولار عند تصدير النفط أو التعامل التجاري خارج البلاد. وأدت سياسة إدارة الرئيس تينوبو منذ مجيئها بدمج نوافذ صرف العملات الأجنبية المتعددة في نافذة المستورد والمصدر الواحدة، أو نافذة I&E، إلى انخفاض قيمة نيرا بنسبة 98 في المئة. وكانت النتيجة أن دخلت البلاد في أكبر أزمة التضخم منذ عام 1999، بل واضطرّ تينوبو إلى الإعلان عن خطة جمع حوالي 10 مليار دولار للتقليل من انهيار عملة نيرا وإعادة التوازن إلى قيمتها وتعزيز صمودها أمام العملات الأجنبية، إلى جانب الحملات الأمنية الموسعة لأصحاب مكاتب صرف العملات الأجنبية في مدن مختلفة شملت أبوجا وكانو ولاغوس وإبادن، مع اعتقال بعض مسؤولي منصات العملات الرقمية بدعوى تلاعبهم في تحديد سعر وقيمة نيرا أمام العملات الأجنية.

وإلى جانب ما تمر به نيجيريا من تضخم وانهيار عملتها، فهي تعاني أيضا من سلسلة الديون التي قرضتها الحكومات السابقة، ووجود نسبة هائلة من حاملي الشهادة بلا وظيفة ونقص الطاقة الكهربائية وتراجع إنتاج البترول الذي يعدّ أهمّ مصدَّرات البلاد. ويزاد على ذلك انتشار العنف وعدم استقرار الأمن في كثير من أنحاء البلاد. بل يُعدّ عدم استقرار الأمن، المتمثل في عمليات الاختطاف وقطع الطرق واستهداف المسلحين للمزارعين في القرى والأرياف والمناطق الزراعية في البلاد من أخطر التحديات وأكبر العوامل التي تساهم في الغلاء المفرط والمفاجئ للأغذية، ويؤثر سلبا على المشاريع الزراعية والاستثمارات الهائلة في مختلف مناطق البلاد.

الخروج من هذه الأزمات

لقد أطلقت إدارة تينوبو سلسلة من السياسات الهادفة إلى تهدئة الأوضاع والحد من الأزمات الاقتصادية، وخاصة بعد الانتقادات التي تعرض لها من الذين رأوا أنه لم يقدم البدائل لبعض سياساته وأنه لم يكن مستعدا لمعالجة الأزمات الوطنية المتعددة التي تركتها إدارة سلفه محمد بخاري, رغم تغنّيه هو – أي تينوبو – مرارا إبّان حملاته الانتخابية أنه أنسب المرشحين للمنسب الرئاسي.

وقد اقترح عدد من الاقتصاديين النيجيرين حلولا مختلفة، ما بين من يرى ضرورة عودة الدعم الحكومي للوقود، ومن أشار إلى الأهمية القصوى للقضاء على الإرهاب والأزمات الأمنية الأخرى مع تكثيف الاستثمار الحكومي في الزراعة لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتعزيز القدرة الصناعية للبلاد. بالإضافة إلى الدعوات التي تطلب رفع الحظر المفروض على استيراد الأسمنت وتنادي إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية أوسع نطاقا.

ويرى كنغسلي موغالو ( Kingsley Moghalu)، نائب محافظ البنك المركزي السابق، أنّ الأمور لا يمكن أن تسير في مسارها الصحيح ما لم تكن الحكومة هي أول من يسلك الطريق التي تفرض على المواطنين السير عليها، كما يتحتم على الرؤساء استحضار هموم المواطنين في قلوبهم.

وفي حد قوله:

“مهما كان النزاع بين السياسيين في رفع الدعم المالي للنفط المستورد – وإن كان الآن أجري التعديل عليه مؤخرا من أجل تفادي ازدياد سعره – وسوق صرف العملات، فثمة دعم مالي أصرّ على البقاء: وهو الدعم المالي لرجال السياسة في نيجيريا (رغم التضخم والحالة المحزنة للسكان البسطاء).

“فقد نوّهتُ من قبل، أن إنفاق ما يناهز 160 مليون نيرا في سبيل استيراد سيارة رياضية متعددة الأغراض (SUVs) لكل فرد من أعضاء الجمعية الوطنية (National assembly) في حين أن نيجيريا تنوي إعارة قرض يبلغ 1.5 مليار نيرا من البنك الدولي، أمرٌ يشكل رسالة خاطئة في أذهان النيجيريين والمستثمرين. فالمهمّ هو أن مشكلاتنا الاقتصادية تدنو بدرجة عن اقتصادنا.

“يجب إنهاء حياة الترف التي يعيشها السياسيون من خلال الدعم المالي الذي يُقدَّم لهم، قبل فرض رفع الدعم المالي من اقتصاد نيجيريا، ولا شك أنه يجب ملاحظة مدى الاحترافية في التعامل مع رفع الدعم المالي. فإنّ تدعيم نظام المواصلة العامة تباعا لدعم النفط يكون قرارا اقتصاديا بالغ الأهمية، لأنه يخفف الضغط على العامة. وأكثر البلدان المتطورة اقتصاديا تفعل ذلك.

وأضاف موغالو أن

“رفع الدعم المالي الحكومي ضروري لعدم وجود ملجإ آخر، حيث إن الإشكالية لا تكمن في الدعم المالي نفسه، وإنما تتجاوز ذلك إلى ما يُقدَّم الدعمُ المالي من أجله، وكيف يُقدّم. إذ يكفي مبلغ 500 مليار نيرا لدعم نظام المواصلات العامة في جميع أنحاء البلاد كل سنة، ويختلف ذلك عن 5 ترليون نيرا الذي ينفق في سبيل التخلص من التزوير والاحتيال”.

وقد دعا بعض كبار رجال الأعمال في نيجيريا الحكومة إلى تأسيس إدارة وهيئة للشؤون المتعلقة باستراتيجية تقييم العملة، مع فرض الشفافية التامة على شركة النفط الوطنية (NNPC) بخصوص عدد المنتجات ومجموعة المحصول عليه في المصدّرات. وفيما يتعلق بإيجاد الاستثمارات الأجنية في نيجيريا اقترحوا تكوين هيئة استشارية ذات كفاءات عالية تضم فيما بينها رجال أعمال محليون، ومستثمرون عالميون واقتصاديون دوليون من أصول نيجيرية أمثال أديبايو أوغونليسي (Adebayo Ogunlesi) و إنغوزي أوكونجو- إيويألا (Ngozi Okonjo-Iweala)”.

وفي وجهة نظر “تشارلي روبرتسون” (Charlie Robertson) رئيس (Marco strategy at asset management FIM partners)، تشمل بعض الأمور التي يمكن أن تخلص نيجيريا من هذه الأزمة:

  1. إيجاد وضع أمن مستقر، فلا يوجد أحد يريد أن يستثمر في بلد غير مستقر أو بلد انتشر فيه العنف والأزمات الأمنية الأخرى.
  2. جعل العملة النيجيرية هي المسيطرة على الأسواق في نيجيريا، وذلك يعني أنه يتوجب على النيجيريين الاكتفاء بمنتجات نيجيريا مع إعارة اهتمام أقل للمستوردات.
  3. التوقف عن طباعة العملة من أجل دفع فواتير الحكومة، فهذه كلّها من شأنها الازدياد في نسبة التضخم وتجعل العملة تنخفض إلى درجة أسوأ.

ومن الآراء المنتشرة حول تدهور الوضع الاقتصادي في نيجيريا ما أشار إليه بيل غيتس (Bill Gates) مؤسس مايكروسوفت الذي يزور نيجيريا كثيرا وله علاقات مع رجال أعمالها، حيث أفاد بأنه “لإيجاد وضع اقتصادي يدوم لوقت طويل، يجب الاستثمار في البنية التحتية مع استحضار روح المنافسة والشراكة في الاستثمار في الناس. فالناس بدون طرق وموانئ ومصانع لا يستسيغون طعم الحياة، والطرق والموانئ والمصانع بدون عمال محترفين يستطيعون إدارتها والاعتناء بها لا تضمن للاقتصاد بقاء”.

أما الحلول من حيث وجهة المواطنين البسطاء وأصحاب التجارات ذات الحجم القليلة والمتوسطة؛ فإن الحلول العامة تستدعي إيجاد الحلول في ثلاث مجالات رئيسية هي: تعزيز القدرة الوطنية على كسب العملات الأجنبية (من خلال تصدير المنتجات النيجيرية)، والإدارة الفعالة للنقد الأجنبي؛ ووضع استراتيجية عملياتية تحقق الاكتفاء الذاتي لطاقة الكهرباء والبنية التحتية للنقل من المدن إلى القرى من منطقة لأخرى دون عائق.

وهناك من الأكاديميين والسياسيين النيجيريين الذين حذّروا إدارة تينوبو من تنفيذ وصفات مؤسسات بريتون وود القائمة على مقترحات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كحلول للتحديات الحالية التي تواجه البلاد، مستدلين بأن تلك الوصفات قد لا تنجح في نيجيريا وقد تفاقم من الأزمات الحالية، وخاصة أن غلاء أسعار الأغذية وتصاعد مستوى البطالة بين الشباب وهجرة أصحاب الخبرات والمحترفين إلى الدول الأوروبية كلها تعني أن الفشل في معالجة هذه القضايا الحاسمة على وجه السرعة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار البلاد وازدهارها، وقد يعني أيضا أن شبح الفوضى يلوح في الأفق في غضون الأشهر المقبلة.

أخيرا، اقترح بعض مراكز البحث والفكر على الحكومة إدخال برامج الرعاية الاجتماعية المصممة للتخفيف من تأثير رفع الدعم المالي من الوقود، وخاصة على الفئات السكانية الضعيفة التي تحدّدها الوكالات الحكومية المعنية في الحكومات المحلية وتعطيها الأولوية وتضمن فعالية تدخلاتها ووصول مساعداتها إلى من هم في أمس الحاجة إليها. ويمكن للحكومة أن تقدم هذه البرامج المساعدة المالية والدعم الوظيفي والخدمات الأساسية لأولئك الذين تأثروا سلباً بإلغاء الدعم الحكومي والارتفاع اللامنطقي للتضخم في غضون شهور قليلة فقط. وهذا سيخفف من التأثير المباشر للإصلاحات الاقتصادية ويساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والشمولية، وبالتالي تكون السياسات الحكومية وإصلاحاتها فعالة وعادلة وتلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع. والواقع النيجيري يؤكد على أنه لا يمكن للرئيس تينوبو اتخاذ الإجراءات الجريئة والعملية لتأمين مستقبل أكثر إشراقاً لكل النيجيريين في دولة معقدة مثل نيجيريا، إلا من خلال تجاهل الإثنية والدين والانتماءات الحزبية.

ـــــــــ

مراجع:

Asadu,Chinedu. ( Febuary 20, 2024). Monetary reforms went wrong. Now Nigeria faces an economic crisis. (The Christian Science Monitor). Why Nigeria’s currency has hit record low amid inflation – CSMonitor.com .Visited: (March 3,2024).

Princewill,Nimi. ( July 7, 2023). The masses are suffering, Nigerians lament high cost of living as fuel price hikes bite. (CNN). ‘The masses are suffering,’ Nigerians lament high cost of living as fuel price hikes bite | CNN .Visited: (March 3, 2024).

Smith, Elliot. (Febuary 21, 2024). Africa’s largest is battling a currency crisis and soaring inflation. (CNBC). Africa’s largest economy is battling a currency crisis and soaring inflation (cnbc.com).Visited:(March 3, 2024).

Akinmurele, Lolade. (Febuary 21, 2024). How can Nigeria curb worst social crises since 1999 . (BUSINESS DAY). How Nigeria can curb worst social crisis since 1999 – Businessday NG Visited:(March 3, 2024).

Osilama,Osilama. (March 4, 2024). Addressing Nigeria’s current economy woes historically. (The Guardian). Addressing Nigeria’s current economic woes holistically — Opinion — The Guardian Nigeria News – Nigeria and World News. Visited: (March 4,2024).

انشر المقال
بقلم آدم يوسف أموبولاجي نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.
- باحث نيجيري مهتم بالأدب والنقد. - طالب ماجستير في الدراسات الأدبية - جامعة القصيم.
بقلم حكيم ألادي نجم الدين رئيس تحرير مجلة نيجيريا الثقافية.
- باحث نيجيري مهتم بالتحولات السياسية والقضايا الاجتماعية والتنموية والتعليمية. - حاصل على دكتوراه في الأصول الاجتماعية والقيادة التعليمية من الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا (IIUM).