اشتهرت صناعة السينما النيجيرية (Nigerian film industry) باسم “نوليوود” (Nollywood), وتعد جزءًا مهمًا من قطاع الفنون والترفيه والتسلية في البلاد, كما تتكون من الأفلام التي أنتجت في نيجيريا. وتعكس جل إنتاجات صناعة السينما النيجيرية ما يحدث المجتمع النيجيري كما تغذي شهية المشاهدين وواقع حياتهم وتاريخهم وثقافاتهم بتعدداتها. وقد كان مما يميز “نوليوود” أو صناعة السينما النيجيرية أن النسبة الكبرى من تمثيلها السينمائي للحياة النيجيرية غالبا ما يكون في متناول الجمهور أو قريبا منهم, لكون معظم أفلام القطاع تُنتَج بميزانيات متواضعة وباستخدام ممثلين هواة مع الاعتماد القليل على مؤثرات بصرية. واشتهرت أفلام “نوليوود” في الكثير من الدول الإفريقية لأنها غالبا ما تتناول ديناميكيات العلاقات الإنسانية, مثل الزواج والأبوة والأمومة والأخوة، والقضايا الثقافية التي تقل ملاحظتها.
وقد تربّعت “نوليوود” على عرش صناعات الأفلام داخل أفريقيا منذ سنوات ماضية، وتزداد اليوم سمعتها في أماكن أخرى خارج القارة, خاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول الغربية التي يوجد بها نسبة ملموسة من الشتات النيجيري. وهذه الموجة من الاهتمام والإشادة العالمية تتزامن مع تحسّن في جودة الأفلام المنتجة ودخول المستثمرين في الصناعة ومساهمة القطاع المتزايدة في الاقتصاد النيجيري, حيث أفاد تقرير أن أعمال السينما النيجيرية في عام 2021 ولّدت 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أو 239 مليار نايرا (660 مليون دولار)([1]).
مصطلح “نوليوود”: في البحث عن الأصل
لم تكن صناعة السينما النيجيرية تعرف باسم “نوليوود” (Nollywood) قبل بداية القرن الحادي والعشرين؛ إذ تتشكل هذه الصناعة من مراكز إنتاج محلية كثيرة لها لغاتها الخاصة, مثل السينما المنتجة بلغة هوسا والتي اقترحت إحدى المجلات الهوساوية في عام 1999([2]) تسميتها بـ “كانيوود” (Kannywood) ؛ والسينما المنتجة بلغة إيبو والتي غالبا ما تصدر من مدينة “آبا” وغيرها في جنوب شرق نيجيريا, والسينما المنتجة بلغة يوروبا والتي تصدر غالبا من جنوب غرب نيجيريا. ولكل هذه المراكز الإنتاجية السينمائية اختلافاتها واستقلاليتها داخل نيجيريا, كما حافظت كل منها على خطابات وممارسات أثارت التوترات داخل صناعة السينما النيجيرية وتصورات هيمنة فرع أو مركز على القطاع على حساب الفروعات الأخرى, مع فشل الجهود القليلة المبذولة لتوحيد الصفوف بين ممارسي الصناعة في مختلف مراكز الإنتاج.
ومن الجهود القديمة لإيجاد اسم موحد لصناعة السينما النيجيرية مصطلح “أفرو-هوليوود” “Afro-Hollywood” في عام 1996 والذي استخدمه رجل أعمال ثقافي نيجيري في لندن أثناء تنظيم حفل توزيع جوائز للاحتفال بإنجازات صناعة السينما المرتبطة بنيجيريا بشكل خاص وبإفريقيا وهوليوود بشكل عام([3]). ويؤشر مصطلح “نوليوود” (Nollywood) المستخدم اليوم للإشارة إلى صناعة السينما النيجيرية إلى أن ظهوره كان بمثابة المحاولة لمقارنة صناعة السينما النيجيرية بالسينما الأمريكية (Hollywood) أو صناعة السينما الهندية (Bollywood), وذلك بالجمع بين لفظ “نولي Nolly” (المُسْتَنْبَط من نيجيريا) ولفط “هود” (Hood) الذي ينطق “وود” (Wood). وهذه النقطة الأخيرة يؤكدها إنتاج فيلم “Living in bondage” في عام 1992 الذي أخرجه “كريس أوبي رابو” (Chris Obi Rapu) وألّفه “كينيث نيبوي” (Kenneth Nnebue) و “أوكيشوكو أوغونجيوفور” (Okechukwu Ogunjiofor), حيث عزز هذا الفيلم الخطاب المحلي والشعور العام حول إمكانات السينما النيجيرية لإنتاج الأفلام القادرة على منافسة نظيراتها بأمريكا والهند([4]).
ويُعزَى الفضل في صياغة كلمة “نوليوود” إلى الصحفي الكندي الياباني “نوريميتسو أونيشي”, حيث ظهرت الكلمة للمرة الأولى في سبتمبر 2002 في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز([5]), كما أعادت صحيفة الغارديان النيجيرية نشر المقال بعد أيام قليلة, لتصبح الكلمة مُفَضَّلة لدى الصحافة المحلية النيجيرية والمهتمين بصناعة السينما في البلاد. بل أصبحت الكلمة بحلول بداية عام 2003 مرادفة للصناعة بجميع مراكزها ولغاتها, ومعبّرة لمرحلة جديدة حافلة بالنجاحات الشعبية الواسعة التي حققتها وآثارها العابرة لحدود نيجيريا الوطنية.
السينما النيجيرية قبل الاستقلال وبعده
تعود السينما النيجيرية إلى القرن التاسع عشر وحقبة الاستعمار البريطانية للبلاد. وقد عُرِض الفيلم الأول (والذي لم يكن على هيئة الفيديو) في أغسطس 1903 في قاعة “غلوفر” التذكارية بمدينة لاغوس جنوب غرب نيجيريا([6]). وتضمنت العروض الأولى أيضا في لاغوس، مشاهد لباخرة متحركة عبر الماء والأنشطة الحيوية للحياة اليومية ومشاهد تتويج الملك “إدوارد” السابع عام 1904, بالإضافة إلى الفيلم الإخباري الذي تناول لمحة مختصرة عن الملك الأعلى (Alake) لـ “إيغبا” (Egba وهم مجموعة فرعية من إثنية اليوروبا) في جنوب غرب نيجيريا أثناء زيارته إلى إنجلترا([7]).
ومما اتّسمت الأفلام إبان الاستعمار البريطاني لنيجيريا أنها غالبا ما تكون أفلاما وثائقية، أو أعمالا أنتِجَت لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية تعزز توجه الإدارة الكولونيالية البريطانية داخل نيجيريا ومستعمراتها الأخرى. وانتقلت الصناعة إلى منحى آخر بإشراك ممثلين محليين, مثل فيلمي “بالافير” (Palaver, 1926) و “ساندرز أوف ذي ريفرز” (Sanders of the River, 1935) اللذين أدى فيهما ممثلين نيجيريين أدوار التحدث, وعُرِضا في قاعات بجميع أنحاء نيجيريا أمام جماهير غفيرة. ومما لوحظ في هذه الفترة أيضا أن المسيحية لعبت دورًا كبيرًا في ثقافة السينما في هذه الحقبة، حيث دعم المنصّرون وأصحاب الكنائس صناعة الأفلام للدعاية عن المسيحية والكولونيالية([8]).
وقد عززت الأنشطة السينمائية والتحركات الفنية والأدبية الأخرى ثقافة الأفلام لتصبح سمة مشتركة للحياة الاجتماعية في نيجيريا بشكل عام، وفي لاغوس بشكل خاص. بل وأدى إلى إنشاء دور سينما تجارية كبيرة مع فروع متعددة في أماكن استراتيجية من البلاد. وفي الوقت ذاته, وخاصة بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، تطوّرت السينما أيضا على شكل فرق تمثيلية وفرق مسرحية متنقلة تم تمويلها من قبل المحكمة أو الكنيسة أو الجمهور، واشتهرت بين الجماهير عبر الإعلانات والملصقات, بينما أدى إدخال التكنولوجيا الجديدة إلى تسجيل هذه المسرحيات وعرضها في غُرَف عرض تابعة لدُور السينما في البلاد.
وشهدت صناعة السينما نموا سريعا بعد استقلال نيجيريا في عام 1960، مما فتح الباب أمام بدء العصر الذهبي للسينما في البلاد, وخاصة أنه رافق هذه الفترة انتشار الأفلام الأجنبية التي عزّزت نشر ثقافة السينما إلى جانب الطفرة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي. وكانت المخاوف من غزو الثقافة الأجنبية المستنبطة من الأفلام الأجنبية المنتشرة في الأجواء الثقافية والقيم النيجيرية، أدت إلى إصدار الجنرال “ياكوبو غوان”، رئيس الدولة آنذاك، مرسوم توطين السينما وصناعة الأفلام في عام 1972, والذي نصّ على نقل ملكيات 300 دار سينما إلى النيجيريين من مالكيها الأجانب([9]). وهذا القرار عزّز أداء النيجيريين أدوارا بارزة في الأفلام وتحويل المسرحيات والأعمال الأدبية المحلية الشهيرة إلى صور متحركة, وأكسب قطاع الأفلام شعبية كبيرة ساعدت في جذب الاستثمارات الأجنبية لبناء مجمعات دور السينما مثل “المسرح الوطني للفنون” (National Theatre Nigeria) المعروف الآن باسم “مركز وولي سوينكا للثقافة والفنون الإبداعية” (Wole Soyinka Centre for Culture and Creative Arts)، الذي يضم مسرحين يحتوي كل منهما 700 مقعدا([10]).
عصر الفيديو والكاسيت
وقد استغلت الشركات المحلية والفاعلون في قطاع السنما النيجيرية الرفاهية التي رافقت فترات الطفرة النفطية, حيث استطاعت المزيد من الأسر اقتناء أجهزة التلفزيون، مما جعل منتجي الأفلام يبثون العروض المسرحية الشعبية المحلية على شاشة التلفزيون, ومن ثم عبر أجهزة الفيديو وحامل لشريط آلة التسجيل (كاسيت)، وتصاعدت شهرة الأعمال السينمائية المحلية نتيجة كون مرسوم الحكومة قيّد كمية المحتوى الأجنبي التي يمكن بثها على شاشة التلفزيون. بل أدى هذا الوضع إلى ظهور أسواق محلية غير منظمة لتجارة كاسيت الفيديو للأفلام الأجنبية والمحلية، لتدخل صناعة السينما النيجيرية عصر ازدهار الفيديو في التسعينيات من القرن الماضي([11]).
على أن توجّه النيجيريين نحو شراء كاسيت الفيديو ومتابعة الأفلام عبر التلفزيون أثّر سلبا في جوانب أخرى للسينما النيجيرية, حيث انهارت ثقافة السينما بشكل دراماتيكي، مما أدى إلى بيع بعض المسارح المهمة للمنظمات التنصيرية والمسيحية التي حوّلتها إلى كنائس، بينما أُغْلِقت مسارح أخرى. بل بحلول عام 1999 لم تبق سوى عدد قليل فقط من دور السينما المزدهرة سابقًا والنشطة في أوائل التسعينيات.
“نوليوود” في العصر الحديث
ازدهر (ولا يزال يزدهر) عصر الفيديو في صناعة الأفلام النيجيرية منذ بداية القرن الواحد والعشرين, وأصبحت السينما النيجيرية معروفة باسم “نوليوود”. وصعدت نيجيريا السلم الدولي في عام 2006 عندما أنتجت 872 فيلماً بصيغة الفيديو (ونصفها تقريباً باللغة الإنجليزية)، حيث كان العدد أقل بنحو 200 فيلم فقط من إنتاج بوليوود، وأكثر بنحو 400 فيلم من إنتاج هوليود([12]). وفي عام 2008 بلغت صناعة السينما النيجيرية ذروتها حيث أنتجت نيجيريا حوالي 200 فيلم فيديو شهريًا، لتصبح واحدة من أكبر صانعي الأفلام في جميع أنحاء العالم.
ومما يُلَاحظ أيضا أن تصاعد المكانة النيجيرية من حيث صناعة الأفلام والترفيه المحلية يعزز في السنوات الأخيرة عودة ثقافة السينما التي اندثرت سابقا, حيث تشهد نيجيريا مؤخرا ظهور مسارح جديدة في المدن الثرية ومراكز التسوق الكبيرة الشهيرة. وافق ذلك أيضا, وخاصة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, ظهور جيل جديد من صانعي الأفلام المتخصصين واستعادة الأسر والعائلات الشهيرة بصناعة السينما والمخضرمين لشهرتهم بإنتاج أعمال جديدة قائمة على الأنشطة الثقافية والتاريخية المحلية ومواكبة لتكنولوجيا الجديدة وتطورات الصناعة المعاصرة.
ومن بين هؤلاء الشخصيات: المخرج “توندي كيلاني” (Tunde Kelani, من مواليد 26 فبراير 1948) الذي ينشط في القطاع منذ أكثر من أربعة عقود, متخصصا في إنتاج الأفلام التي تتناول القضايا السياسية وتروج للتراث الثقافي النيجيري والتوثيق والأرشفة والتعليم والترفيه. وهو صاحب الأفلام الشهيرة, مثل: ” Koseegbe” (عام 1995), و “O Le Ku” (عام 1997), و “Saworoide” (عام 1999), و “The White Handkerchief” (لعام 2000), و ” Thunderbolt: Magun ” (لعام 2001), و ” Agogo Eewo” (لعام 2002), و ” The Campus Queen” (2004), و ” The Narrow Path” (لعام 2006), و “Arugba” (لعام 2010), و “Maami” (لعام 2011), وغيرها الكثير من أفلامه([13]).
وتتضح النقطة السابقة أيضا حول العصر الجديد لصناعة الأفلام النيجيرية في الأفلام مثل: “The Figurine: Araromire” (عام 2009) من تأليف “كيمي أديسويي” (Kemi Adesoye), ومن إنتاج وإخراج “كونلي أفولايان” (Kunle Afolayan) – نجل المخرج المسرحي والسينمائي “أدييمي أفولايان” الشهير بـ “Ade Love”. وهذا المنتج والمخرج – أي “كونلي أفولايان” – من يُنسَب إليه الفضل في رفع جودة صناعة السينما النيجيرية([14]) من خلال أعماله ذوات الميزانية الكبيرة وتصويره بمقاس 35 ملم وإصدار أفلامه في دور السينما وتحسينه لقصص الأفلام النيجيرية المبتذلة. وهناك أفلام أخرى, مثل “Ijé: The Journey” (عام 2010), و “The Wedding Party” (عام 2016), وغيرها من الأفلام التي تميزت عن الأفلام القديمة بتعقيداتها السردية وقيمتها الجمالية وجودة إنتاجها العامة مع ميزانيات أكبر وفترات إنتاج أطول، واستكشافها لقصص تجاوزت مجرد دروس أخلاقية وتعليمية لجمهورها.
في عصر الرقمنة ومنصات الفيديو حسب الطلب
تعتمد صناعة السينما اليوم على التمويلات الخاصة من المخرجين وبعض الإعانات من الجهات المالية الرسمية. وفي حين أنها تعاني من القرصنة، فإنها تزداد شعبية واستقلالية ويمكن الوصول إليها, وخاصة بعد ظهور التكنولوجيا وتحسيناتها ودور السينما الحديثة, مثل “فيلم هاوس” (Filmhouse Cinemas), و “إيبوني لايف” (EbonyLife Cinemas), و “سيلفر بيرد غاليريا” (Silverbird Galleria), إضافة إلى استثمارات هائلة من شركات البث المباشر والفيديو حسب الطلب المملوكة للنيجيريين والأجانب، مثل “إيروكو تي في” (Irokotv), و الشركتين الأمريكيتين ” نتفليكس” (Netflix) و “أمازون برايم فيديو” (Amazon Prime Video), والتي أصبحت اليوم قنوات التوزيع الأساسية للأفلام النيجيرية, وتمنح الجماهير حرية مشاهدة هذه الأفلام في دور السينما (لأسابيع أو أشهر من إنتاجها) اعتمادًا على مدى ربحيتها, والاشتراك أونلاين في منصات البث المباشر للتوصل إلى تلك الأفلام في الوقت الذي يناسب المشاهدين وعبر أي جهاز إلكتروني.
ويمكن القول إن نوليوود في هذا العصر يشهد أكبر نموّه منذ استقلال نيجيريا, ويسهم في ذلك آليات العولمة التي حوّلت العالم اليوم إلى قرية عالمية، وفتحت صناعة السينما في البلاد تدريجيًا أمام المستثمرين والجماهير الدوليين. وعلى سبيل المثال: كشفت شركة “نتفليكس” في عام 2022([15])، أنه منذ دخولها نيجيريا في عام 2016 وحتى عام 2022، قد استثمرت 9 مليارات نايرا في القطاع الإبداعي الذي يشمل قطاع السينما, وأنها حوّلت العديد من عناوين الأفلام المحلية النيجيرية إلى أعمال حصرية في منصاتها، وموّلت عقد جلسات بناء القدرات وتطوير البنية التحتية في الصناعة, واستثمرت في أكثر من 200 فيلم محلي مرخص، بالإضافة إلى محتوى الأفلام الأصلية المحلية المنتجة خصيصا للشركة أو بالتعاون مع الشركات المحلية والمخرجين. وأفادت الشركة أيضا أنها اعتبارًا من نوفمبر 2022 أتاحت 125 فيلمًا ومسلسلًا تلفزيونيًا نيجيريًا على منصتها([16]).
وفي المنوال نفسه, أعلنت شركة “أمازون برايم فيديو” في 4 أغسطس 2022, عن إطلاق نسخة محلية من خدمتها في نيجيريا([17]). ومن الأفلام الجديدة التي عززت شهرة الشركة في نيجيريا الفيلم الطويل المثير “Gangs of Lagos” (لعام 2023), والمسلسل الكوميدي ” LOL: Last One Laughing Naija ” (لعام 2023). وكل هذه الاهتمامات من منصات البث المباشر بصناعة الأفلام النيجيرية (نوليوود) بمثابة تطور إيجابي, وخاصة من حيث الفرص التي تتيحها لجميع الأطراف المعنية, والاستثمار المتزايد الذي كان القطاع يعاني منه سابقا ومعايير العمل المتقدمة التي تحاول الالتحاق بالمعايير الدولية, والتطورات الهائلة من حيث الجودة.
تحديات رئيسية وقضايا أخرى
رغم النمو الكبير الذي شهدته صناعة السينما والأفلام النيجيرية في السنوات القليلة الماضية, ورغم الفرص التي يوفرها وجود منصات بث الفيديو العالمية في البلاد؛ إلا أن الصناعة لا تزال تواجه تحديات كما أن الفرص الجديدة تزيد من المخاطر رغم الإمكانيات التي لا حدود لها في القطاع.
وتشمل التحديات الرئيسة التي لا تزال تواجه إنتاج الأفلام في نيجيريا ما يلي:
-
قضايا التمويل والجودة والتدريب:
تعاني السينما النيجيرية نقصا في التمويل وضعفا للبنية التحتية المناسبة, حيث معظم الاستثمارات الحالية كانت من شركات خاصة محلية وأجنبية لمجموعة صغيرة جدا من صانعي الأفلام؛ وضعف جودة الإنتاج حيث نسبة الأفلام ذات الجودة العالية لا تزال قليلة جدا مقارنة بالأفلام الرديئة الأخرى؛ والحاجة إلى إعادة التوجيه والتدريب الفني لصانعي الأفلام؛ إلى جانب تحديات البرمجة النصية, وسبكة القصة، وخلق الشخصيات للأفلام, وعقبات أخرى في الإنتاج.
-
صعوبة الوصول إلى قنوات التوزيع ومشلكة القرصنة:
بالرغم من دخول شركات البث الحي ومنصات الفيديو حسب الطلب في السينما النيجيرية, إلا أن صانعي الأفلام في البلاد لا يزالون يواجهون الصعوبات في الوصول إلى قنوات التوزيع, كما يعانون من قرصنة أفلامهم بعد إصدارها وتداول النسخ الرقمية منها بسهولة ومشاركتها بشكل غير قانوني, وذلك لعدم إنفاذ حقوق الملكية الفكرية النيجيرية والذي أدى إلى سرقة الأعمال الأدبية والروائية, بينما يشكو المخرجون وغيرهم أيضا من التنفيذ غير المتسق للحوافز الضريبية والحسومات لصانعي الأفلام. بل أدت محاولة استقطاب دعم الشركات الخاصة ومنصات الفيديو حسب الطلب إلى تغير سلوك المشاهدين في دور السينما وابتكار مالكي دور السينما الجديدة طرقا جديدة من أجل البقاء في الصناعة, سواء بتقديم تجارب فريدة مثل المقاعد الفاخرة وخيارات الطعام الفاخرة والفعاليات الترفيهية الحية لجذب الجماهير, أو بالتركيز على عرض الأفلام الخاصة والمستقلة لتلبية احتياجات فئة محددة من جمهور المشاهدين.
-
قضايا تنافسية الاستثمار والتأثير الخارجي في القيم الأخلاقية النيجيرية:
كانت المخاطر أو القضايا الرئيسة في صناعة الأفلام النيجيرية مرتبطة بنوايا منصات بث الفيديو العالمية الموجودة حاليا داخل نيجيريا وسلوكها تجاه صانعي الأفلام في البلاد ومدى احترامها لوجهة نظر النيجيريين أو التصورات النيجيرية العامة للأمور والقضايا الأخلاقية والإنسانية والقِيَمية. وعلى سبيل المثال: يتساءل البعض عما إذا كانت الاستثمارات المالية لمنصات بث الفيديو العالمية (مثل نتفليكس) تتساوى مع استثماراتها في أماكن أخرى رغم تشابه اشتراكات مشتركي تلك المنصات في نيجيريا مع مناطق أخرى, وما إذا كانت الإنتاجات السينمائية النيجيرية تجتذب ميزانيات تنافسية مقارنة بالمناطق الأخرى.
وهناك تساؤلات أخرى عن مدى إمكانية وصول صانعي الأفلام النيجيريين لتلك الاستمارات, حيث جميع التقارير المحلية تؤكد أن هناك حراس البوابات الذين نصبوا أنفسهم بين هذه المنصات, والمجتمع الإبداعي الأوسع بنيجيريا, وهؤلاء الحراس هم الذين يتحكمون في الوصول إلى تلك المنصات وتمويلها, مما يفقد تلك الشركات والمنصات توازنا وإنصافا تجاه صانعي الأفلام الآخرين الذين يملكون القدرات والمعايير المرتبطة بالإنتاج وفتح أبواب القطاع أمام آفاق جديدة.
وفي حين أن ما سبق يعني أيضًا أنه لا يزال هناك مجال لدخول المزيد من المنصات وقنوات التوزيع في قطاع السينما النيجيرية لكثرة الفرص والمحتويات الجيدة؛ فقد انتقد النيجيريون شركات الفيديو حسب الطلب أنها تروّج (في بعض الأفلام التي تموّلها) للقيم الغربية والمحتويات المخلّة بالأخلاق. وهناك تصريحات وتقارير تفيد بأن عمالقة البث المباشر والفيديو حسب الطلب الممولة للأفلام النيجيرية تميل إلى إملاء الشروط والاستيلاء بشكل أساسي على التحكم الإبداعي من صانعي تلك الأفلام النيجيريين. ويمكن لمس أحد النقطتين في الأفلام والمسلسلات الجديدة مثل “Elesin Oba” (لعام 2022) و”Anikulapo” (2022) و”Shanty Town” (لعام 2023) و “Késárí: The King” (لعام 2024) وغيرها التي احتوت على مشاهد للعري وأفعال أخرى مخلة بالأخلاق والمواضيع الأخرى الغريبة عن الثقافات النيجيرية.
-
تقديم نيجيريا بصورة سلبية:
كثرت الدعوات في الآونة الأخيرة إلى أن قطاع صناعة السينما النيجيرية بحاجة إلى المساهمة في تقديم الصورة الحقيقية لنيجيريا والتي كانت إيجابية في الغالب, حيث تشوّهت صورة سكان البلاد لدى دول إفريقية كثيرة تستهلك السينما النيجيرية, بوصفها شعبا يعتمد في معظم حياته على الشعوذة والفودو وغيرهما. وترتبط أهمية هذه النقطة أيضا في حقيقة أن الاهتمام العالمي بالمنتجات السينمائية النيجيرية يوفر فرصا كبيرة لعرض وتسويق الأجزاء الجيدة من البلاد من خلال الأفلام والمسلسلات دون نفي وجود الجوانب السلبية في البلاد, إذ الدول غير الإفريقية, وخاصة الأمريكيتين وأوروبا وآسيا, تطرح لمشاهديها في كثير من الأحيان الأجزاء الجيدة والصورة الإيجابية أو القصص التي تعزز مواقفها, رغم وجود الجوانب السلبية فيها.
-
قضية الوعي النيجيري والروح الإفريقية:
يحتاج صانعو الأفلام النيجيريون إلى الغرس الواعي للروح الأفريقية في أعمالهم بطريقة تتناسب مع المفاهيم المواضيعية العالمية أو النقاشات المعاصرة للحياة والمعيشة, وخاصة أن نيجيريا تتميز بكثرة إثنياتها وثقافاتها وتقاليدها, وتتنوع التجارب الفردية (لكل إثنية أو مجموعة إقليمية) والتجارب الجماعية المشتركة (كشعب نيجيري أو سكان إقليم محدد), وهذه الحالة الأثنوغرافية توفر لصانعي الأفلام قصصا جيدة وفريدية ذات موضوعات أفضل قادرة على جذب الاهتمام العالمي, بدلا من تأسيهم المفرط بالقصص والسردية الغربية وحصر أفلامهم في حمل الأسلحة وإطلاق النار رغم أنه ليس واقعا حقيقيا أو حوادث يومية يعيشها النيجيريون. ويكفي فيلم “Elesin Oba” (لعام 2022) خير مثال على القصة الأصلية المحلية والسردية الجيدة التي يمكن للجميع فهمها بغض النظر عن أصله وانتمائه وتوجهاته, حيث استند الفيلم إلى مسرحية “الموت وفارس الملك” لعملاق الأدب النيجيري “وولي سوينكا”، والتي كانت مبنية على حادثة حقيقية وقعت في أرض إثنية يورويا إبان الحكم الاستعماري البريطاني لنيجيريا.
خاتمة
من العرض السابق يُستَنْتَج أن صناعة السينما في نيجيريا, والتي تُعْرَف اليوم بـ “نوليوود”, قد نمت على مر العقود، وأن معظم الجهود على تطوّرها كانت فردية حتى وإن كانت الشركات الخاصة المحلية والأجنبية دخلت في القطاع بأموالها وأدواتها. ومن التحديات التي تواجه الصناعة الافتقار إلى هيكل عملي رسمي وكثرة القرصنة في ظل تدافع الشركات الغربية إلى القطاع, وسيطرة القيم والتوجهات الفكرية الغربية في قصص الأفلام الممولة من شركات الفيديو حسب الطلب الغربية, وضيق منافذ تأمين التمويل أمام النسبة الكبرى من صانعي الأفلام النيجيريين من تلك الشركات.
ـــــــــــــ
[1] – Samuel Abulude (2024). “How Nollywood Practitioners, Others Have Made Impact On Nigeria’s Economy”. (visited on July 1, 2024)
[2] – MAIKABA, B. (2017). “Hausa Home Video Industry (Kannywood): Growth, Transformation and Challenges.” Journal of Communication and Media Research, 9(1), 96 – 104.
[3] – Alan Oakley (2014). “African Voice founder acclaimed as one of Britain’s top 100 Nigerians”. African Voice, retrieved from https://t.ly/g_9jM (visited on July 1, 2024)
[4] – Okome, O. (2017). A Nollywood Classic: Living in Bondage (Kenneth Nnebue, 1992/1993). In Africa’s Lost Classics (pp. 152-160). Routledge.
[5] – Norimitsu Onishi (2002). “Step Aside, L.A. and Bombay, for Nollywood”. The New York Times, retrieved from https://t.ly/Xf6VX (visited on July 1, 2024)
[6] – Femi Olugbile (2020). “Dateline Lagos Saturday 22nd August 1903 – the first film-show in ‘Nigeria’”. Business Day, retrieved from https://t.ly/beHQC (visited on July 1, 2024)
[7] – Idachaba, A. A. (2018). “The development of video film in Nigeria: A retrospective account.” Journal of Mass Communication and Media Studies, retrieved from https://t.ly/XO-_6 (visited on July 1, 2024)
[8] – Obiaya, I. (2011). “A break with the past: The Nigerian video-film industry in the context of colonial filmmaking.” Film History: An International Journal, 23(2), 129-146.
[9] – Obiaya, I. (2015). “The Blossoming of the Nigerian Video Film Industry. Academia.” Retrieved from Academia, https://t.ly/UORQw (visited on July 1, 2024).
[10] – National Theatre. “Facilities”, retrieved from https://t.ly/OTgAc (visited on July 1, 2024)
[11] – المصدر سابق:
Obiaya, I. (2015). “The Blossoming of the Nigerian Video Film Industry. Academia.”
[12] – Muhammad K. Muhammad (2009). “Nigeria: Nollywood Overtakes Hollywood in Film Production”. AllAfrica, retrieved from https://t.ly/lRvEb (visited on July 1, 2024)
[13] – Babatunde Onikoyi (2017). “Review: Introduction to the filmmaker Tunde Kelani and review of his film Pyrolysis or Paralysis”. Africa In Words, retrieved from https://t.ly/br3O4 (visited on July 2, 2024)
[14] – Haynes, J. (2014). “New Nollywood”: Kunle Afolayan. Black Camera: An International Film Journal (The New Series), 5(2), 53-73.
[15] – Busola Aro (2022). “Netflix: We’ve invested N9bn into Nollywood for quality content production”. The Cable Nigeria, retrieved from https://t.ly/nm0TX (visited on July 2, 2024)
[16] – المصدر السابق.
[17] – Tage Kene-Okafor (2022). “Amazon Prime Video launches local service in Nigeria”. Tech Crunch, retrieved from https://t.ly/JP8wV (visited on July 2, 2024)