لطيف جاكاندي .. وآثاره التي لا تمحى

لانسي حسن عثمان
لانسي حسن عثمان

كان الحاج “لطيف جاكندي” من الشخصيات السياسية الكبيرة التي ساهمت في تطوّر الدولة النيجيرية؛ خاصة في إقليم ولاية لاغوس بالجنوب الغربي حيث وضع نمطا فريدا للقيادة السياسية، وإرثا ستستفيد منه الأجيال التي لم تولد بعد في ولاية لاغوس ونيجيريا.

وقد تخصص “جاكندي” في مجال الإعلام حيث عمل كصحفي من عام 1949م مع صحيفة “ديلي سرفيز” (The Daily Service) حتي عام 1953م عندما انضم إلى صحيفة “نيجيريان تريبون” (Nigerian Tribune) وفي عام 1956م عُيِّن رئيس تحرير الصحيفة من قبل مالكها الزعيم “أوبافيمى أوَوْلَوْوَوْ”. وكان أول رئيس لـ “رابطة مالكي الصحف في نيجيريا” (Newspaper Proprietors’ Association of Nigeria). كما أسس مطبعة “John West Publication” التي تعد من أقدم المطابع في لاغوس، وذلك بهدف نشر الأخبار اليومية في لاغوس

وُلد “جاكندي” في يوليو 1929 في منطقة “أبي-تيدو في لاغوس من أبوين من ولاية كوارا النيجيرية. وتعلمّ في المدارس المحلية في لاغوس ثم في مدينة “بورت هاركورت” بولاية “ريفرز”، وعاد إلى “كلية كينغس” في لاغوس في عام 1943م قبل التحاقه بمدرسة Ilesa Grammar في عام 1945م، حيث عمل محرّرا لمجلة أدبية باسم “المرآة الفصلية” (The Quarterly Mirror).

ويلقب “جاكندي” أيضا بـ”Baba Kekere” أي “الأب الصغير”, وكانت له مشاركات في مجالات أكاديمية وإعلامية. وتزوّج بالحاجة “ذكرى أبمبولا” (Sikira Abimbola).

وقد حكم ولاية لاغوس بين عامي 1979م و 1983م تحت راية “حزب الوحدة النيجيري”, وخدم الولاية لمدة أربع سنوات، حيث فشلت خطته لفترة ولاية ثانية نتيجة الانقلاب العسكري الذي حدث في ديسمبر 1983 وأطاح بحكومة الرئيس النيجيري المدني “شيهو شاغاري” المنتخب مدنيا وجميع حُكام الولايات النيجيرية المنتخبين ديمقراطيا, ونصّب الجنرال “محمد بخاري” رئيس الدولة العسكري.

ومن خلال 4 سنوات فقط في حكم لاغوس تمكّن “جاكندي” من وضع خطة ترسيم الولاية بأكملها وخرائط المشاريع الأساسية التي لا تزال تُنفَّذ إلى اليوم؛ إذ نفذت السياسات التنموية الأساسية لحزبه, وشيد أكثر من 30 ألف وحدة سكنية, كما قدّم مبادرات تعليمية استهدف بها البسطاء، وبنى مدارس ابتدائية وثانوية جديدة في جميع أحياء لاغوس لتوفير التعليم الأساسي مجانا. وأسّس “جامعة ولاية لاغوس” (Lagos State University) والمعهد النيجيري للصحافة.

وقد تمكّن “جاكندي” من تمويل بعض مشاريعه برفع معدلات الإيجار وأسعار قطع الأراضي في المناطق الغنية بجزيرة فيكتوريا (Victoria Island) وشبه جزيرة “ليكي” (Lekki) وزيادة رسوم المعالجة لليانصيب وحمامات السباحة وتراخيص الألعاب. وبنى حوالي 20 مركزًا صحيًا داخل لاغوس وأنشأ 23 مجلسًا حكوميًا محليًا. وبدأ مشروع قطاع خفيف لتسهيل النقل الجماعي توقف المشروع, ولكن المجالس المحلية التي أنشأها حُلّت لاحقًا من قبل الحكومة العسكرية وتوقف مشروع القطاع بعد الانقلاب.

وبنى “جاكندي” أيضا السكريتير العام للولاية ومباني العمّال حيث تقام الأمور المتعلقة بسكان الولاية فيه، ثم المجلس الوطني للولاية State National Assembly، ثم بيت التلفزيوني للولاية والمذياع ثم جامعة ولاية لاغوس، وأسس المستشفيات الولائية في كل ربوع لاغوس، وكليات التعليم والتربية وكلية تدريب الأساتذة في لاغوس، وأسس المنظمة المعنية بالماء والنفايات في الولاية في أغسطس 1980م.

وكان ضمن حكام الولايات الذين يهتمّون بأمور السكن في الولاية، وهو يستمدّ هذه القوة من الاقتصاد الداخلي، الذي يجمعونها من داخل الولاية؛ بما أن القيمة التي يتقاضونها من الحكومة الفدرالية لم تكن تكفي لتسيير أمور الولاية. وأيضا بنى مباني رخصية عدّة في أماكن مثل: إجايي (Ijaye) و أيبي (Epe) و دولفن (Dolphin) و سوروليري (Surulere) و إكورودو (Ikorodu) و بداغري (Badagry) وأماكن أخرى في لاغوس. ويسمى بعض هذه المباني باسمه “مباني جاكندي” (Jakande Estate). واهتم كذلك بالطرق التي تعين الشعب على القيام بأمورهم التنقلية من سفر في أرجاء الولاية وخارجها. وبنى كذلك مصنع الإسفنت الحديث والذي كان الأول من نوعه في تاريخ نيجيريا وقتذاك، ووسّع دائرة الكهرباء داخل مدينة لاغوس وحكوماتها المحلية، وبنى ملعب “أونيكن” سنة 1982م, إلى جانب الوكالات الحكومية الخاصة بلاغوس التي تعد التجربة الأولى في نيجيريا وقتذاك, مثل هيئة إدارة المرور, ومجلس الطب التقليدي (Traditional Medicine Board) لتحقيق إدارة الأدوية التي ينتجها سكان لاغوس من الأعشاب في الولاية. ورفع من شأن لاغوس بالسماح للشركات الصناعية تأسيس مصانعهم في المدينة مما ساعدت ضمنيا في ارتفاع التجارة وتعزيز اقتصاد إقليم جنوب شرق نيجيريا بشكل مباشر.

ومن الواضع من فكرة “جاكندي” أنه تأثّر ببرامج الزعيم “أوولووو” وخططه التي وضعها كأساسيات التنمية في نيجيريا, وعيّنه الجنرال “ثاني أباتشا” وزيرا للعمّال من عام 1993م حتى عام 1995م. ونشر عديدا من الكتب، بعضها تعالج السياسات التي استعان بها في لاغوس، وخيانة الزعيم اليوروباوي “أوبافيمي أوولوو”، والتحديات التي تواجه التعليم المجاني، والقوانين ودور وسائل الإعلام في الدول النامية.

وقد أدت جهود “جاكندي” في سبيل تحقيق مجتمع راق في نيجيريا إلى اعتباره رجل الدولة من قبل القادة والسياسيين ورجال الحكومة الذين جاؤوا من بعده. وسار على دربه حكام لاغوس اللاحقون, بمن فيهم الحاكم الثاني للولاية بعد عودة الحكم المدني الديمقراطي في نيجيريا؛ الحاج “بولا أحمد تينوبو” الذي تابع بدوره مشروعات “جاكندي” وأطلق مشاريع مهمة أخرى.

بقي الحاج “لطيف جاكندي” على دين الإسلام حتى أدركه الأجل في يوم 11 من فبراير 2021م عن عمر يناهز 91 عاما, ودفن في لاغوس.

انشر المقال
- كاتب نيجيري، ومحرر قسمي شعوب/عادات و أماكن/شواهد لدى مجلة نيجيريا الثقافية. - باحث دكتوراة في الأدب العربي - جامعة ولاية بوتشي, نيجيريا.