سليمان كانتي (Solomana Kanté) واختراعه لأبجدية “نكو” (N’Ko)

أحمد البدوي عبد الرحيم
أحمد البدوي عبد الرحيم - مدير النشر والصفحات الاجتماعية.

كان سليمان كانتي (Solomana Kanté) أحد رمز النبوغ الفكري الأفريقي، ومرآة تعكس نضوج الثقافة والجهود الأفريقية الأصيلة. وكانت حياته غنية بالمحطات الإيجابية والتجارب التي بوّأته مكانة مرموقة في غرب إفريقيا خاصة وفي أفريقيا عامة.

وُلد في عام 1922 في أسرة مسلمة في غينيا، والتحق بكتاب والده عام 1928،  وتعلّم على يديه القرآن حتى نبغ، فبقي يخدم الكتاب ويعلم التلاميذ إلى أن توفي والده عام 1941. غير أن صدمة وفاة والده تمثلتْ كنقطة بداية جديدة لمسيرة كانتي في الحياة، حيث عبرها مواجها مختلف التحديات، وانتهت به المسيرة إلى اختراع أبجديات “نكو” التي لقي قبولا واسعا بعد زمن طويل من إنشائها. كتب كانتي كتبًا تمهيدية حول مواضيع متنوعة مثل علم التنجيم والاقتصاد والتاريخ والدين، ومئات المواد التعليمية بلغة مانينكا باستخدام أبجدية “نكو”.

سليمان كانتي واختراعه لأبجدية “نكو”

تم إنشاء أبجدية “نكو” (أو أنكو N’Ko) في عام 1949 على يد سليمان، وتم اعتمادها رسميًا من قبل حكومة غينيا في عام 1961. وكانت أبجدية “نكو” قادرة على تمثيل جميع أصوات لغات الماندينغ، ويمكن استخدامها لكتابة الكلمات التقليدية والحديثة. كان هدف كانتي هو إنشاء نظام كتابة أكثر سهولة وكفاءة للغات الماندينغ، التي يتحدث بها الملايين من الناس في غرب أفريقيا. فنجح بإنشاء أبجدية “نكو” التي يمكن استخدامها لكتابة أي من لغات الماندينغ، بما في ذلك البامبرا والماندينغ. ويقال أن كلمة “نكو” تعني في جميع لغات الماندينغ “أنا أقول”. والأبجدية تحتوي على 19 حرفًا ساكنًا و7 حروف متحركة و8 علامات تشكيل.

أبجدية نكو
أبجدية نكو

أقدم سليمان على هذا الاختراع لرغبته الشديدة في الحفاظ على ثقافة وهوية ماندينغ وتعزيزها، إذ كانت تُكتَب في ذلك الوقت باستخدام الأبجدية العربية، والتي شعر كانتي أنها لم تكن مناسبة تمامًا لاحتياجات الثقافة. وأيضا أراد كانتي إنشاء نظام كتابة يمكن استخدامه من قبل المسلمين وغير المسلمين، وكذلك المتعلمين والأميين.

وقد واجه سليمان عددا من التحديات في إنشاء وتعزيز أبجدية “نكو”. فمن ناحية، واجه مقاومة من بعض التقليديين الذين لم يرغبوا في تغيير الطريقة التي تُكتب بها لغات الماندينغ. بالإضافة إلى ذلك، رأى بعض الناس أن أبجدية “نكو” تشكل تهديدًا للثقافة الإسلامية، لأنها لم تكن مبنية على الأبجدية العربية. وكان هناك أيضًا نقص في الدعم من حكومة غينيا في ذلك الوقت، مما جعل الحصول على قبول واسع النطاق لنظام الكتابة الجديد صعبا على كانتي.

لكن مثابرته وتصميمه كانا من أهم الوسائل التي تغلب بها سليمان كانتي على التحديات التي واجهها. كان متحمسًا جدا لأبجدية “نكو” وقدرتها على إفادة ثقافة ماندينغ، ولم تردعه المقاومة التي واجهها. كما عمل جاهدًا على الترويج للأبجدية وفوائدها، وحصل في النهاية على دعم بعض الشخصيات الرئيسية في الحكومة الغينية. بالإضافة إلى ذلك، كانت جهود كانتي مدعومة بحقيقة أن أبجدية “نكو” كانت سهلة التعلم للغاية، مما جعلها في متناول مجموعة واسعة من الناس.

منجزات أبجدية “نكو”

لقد حققت أبجدية “نكو” عددًا من الإنجازات البارزة منذ إنشائها. ولعل الإنجاز الأكثر أهمية هو أنها ساعدت في الحفاظ على لغات الماندينغ وتعزيزها، والتي كانت في السابق معرضة لخطر الضياع بسبب عدم وجود نظام كتابة مصمم خصيصًا لها. بالإضافة إلى ذلك، أتاحت أبجدية “نكو” إنشاء مجموعة كبيرة من الأدبيات بلغات ماندينغ، مما أدى إلى إثراء ثقافات الأشخاص الذين يتحدثون هذه اللغات.

ومن تلك الأدبيات، ملحمة كوت كوروما، (Kote kourouma) وهي قصيدة طويلة تحكي قصة بطل تقليدي من ثقافة الماندينغ. مثال آخر هو عمل “جبريل تمسير نياني” (Djibril Tasmir Niane) الذي كتب كتاب “سوندياتا: ملحمة مالي القديمة”  (Sundiata: An Epic of Old Mali) باستخدام أبجدية “نكو”. يحكي هذا الكتاب قصة الملك المالي سوندياتا كيتا، ويعتبر من أهم الأعمال الأدبية في لغة الماندينكا.

ومن تلك المنجزات الأكثر أهمية، ترجمة القرآن الكريم إلى لغة الماندينكا باستخدام أبجدية “نكو”. كان هذا المشروع من أولى المشاريع الكبرى التي تم تنفيذها بعد إنشاء الأبجدية. وقد تمت الترجمة من قبل فريق من العلماء بقيادة جبريل تمسير نياني، وتم نشرها في عام 1968. وكانت هذه الترجمة إنجازًا كبيرًا، حيث جعلت القرآن في متناول الأشخاص الذين يتحدثون الماندينكا واللغات الأخرى ذات الصلة. وكانت هذه خطوة كبيرة نحو الحفاظ على ثقافة ولغة شعب الماندينكا وتعزيزها.

وإن لم يكن سليمان كانتي من ضمن أولئك الذين قاموا بالترجمة -لأن مشروع الترجمة بدأ بعد وفاته- غير أن الفضل في ذلك يعود إليه أيضا، لأنه لولا جهود كانتي في إنشاء أبجدية “نكو”، لما تيسّرت ترجمة القرآن إلى لغة الماندينكا.

خاتمة

لم يكن نجاح سليمان كانتي فقط في كونه كاتبا مرموقا ومخترعا لنظام كتابة جارية الاستخدام، بل تمكّن أيضا من تغيير الصورة النمطية والمزاعم القائلة بأن الأفارقة عديمو الثقافة وضعفاء في الإبداع. واليوم بفضله توجد منشورات كثيرة مكتوبة بخط نكو في مختلف المواضيع, بما في ذلك علم التنجيم والفيزياء والدين والجغرافيا والأعمال الفلسفية. وقد تعدّت تأثيرها إلى خارج غينيا وساحل العاج (كوت ديفوار) لوجود ادلة على استخدام “نكو” في المنشورات الدينية بلغتي اليوروبا والفُونْ (Fon) في بنين وجنوب غرب نيجيريا, حيث أضيفت علامات التشكيل لمراعاة الأصوات المختلفة للغتين اليوروبا والفون تأسّيا بلغات المانديغ.

وتصنّف نكو اليوم كأكثر الخطوط والأبجديات نجاحًا في غرب إفريقيا, بدءًا من استخدامها في اللغة الأدبية مرورا بإدخالها في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، الأمر الذي أكسبها نفوذا بين مجتمعات الماندينغ وخارجها وجعلها من نظام الكتابة بغرب إفريقيا التي يحظى باهتمام الباحثين الأفارقة و “المُسْتَفْرِقين”.

ـــــــــــــــ

مراجع

– ZUI (2017). “Writing in Africa – I say N’ko (ߒߞߏ‎)”. Retrieved from https://shorturl.at/imMW9 (اطلع عليه في 12 نوفمبر 2023).

– Wyrod, C. (2008). “A social orthography of identity: the N’ko literacy movement in West Africa.” International Journal of the Sociology of Language, 2008(192).

– Oyler, D. W. (2002). “Re-inventing oral tradition: the modern epic of Souleymane Kante.” Research in African Literatures, 75-93.

– كوناتي موسى عمر (2016). “كرامو كانطو سليمان نموذجا للنبوغ الإفريقي .. مخترع حروف هجاء لغة “أنكو””. قراءات إفريقية, https://shorturl.at/gikzV (اطلع عليه في 12 نوفمبر 2023).

– “ترجمة معاني القرآن الكريم – ترجمة الإنكو – سليمان كانتي”. موسوعة معاني القرآن الكريم, https://shorturl.at/eyB78 (اطلع عليه في 12 نوفمبر 2023)

انشر المقال
بقلم أحمد البدوي عبد الرحيم مدير النشر والصفحات الاجتماعية.
باحث نيجيري - خريج الجامعة الإسلامية بالنيجر (الأدب والنقد).