لا شك أن كل من بحث عن تاريخ الإثنيات في النيجر سيُصَادَف ولو مرة بوسائط مختلفة عن حكايات شعبية في موقع “يوتيوب”. والنسبة الكبرى من هذه الوسائط للمؤرخ والحكواتي النيجري “جيبو بادجي” (Djibo Badjé) -المعروف أيضا بـ جَلِيْبَا / دِيَلْبَا (Djéliba) الذي يعني “الحكواتي العظيم” باللغة السوننكية.
وقد عرض “بادجي” – في أدائه التراثي هذا وغيره من الأعمال الصادرة منه – كنوزا ثقافية وملاحم تاريخية عبر الحكايات السردية أو أغاني المدح والأشعار, وهو ما يعني أن الحكواتي – المعروف بـ (Jeli) عند الماندينغ و (Griot) في اللغة الفرنسية أو (Akewi) عند اليوروبا – مستودعٌ لأخبار الوقائع التاريخية والتقاليد الشفوية وقائدٌ بسبب موقعه كمستشار لشخصيات ملكية.
وهناك شخصيات كثيرة أخرى مارسوا – ويمارسون – مهنة سرد القصص بطرق مختلفة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, كـ: Balla Fasséké الذي عُيّن من قبل ملك الماندينغ “ناري ماغان كوناتي” ليقدم لابنه مؤسس مملكة مالي “سوندياتا كيتا” النصائح والمشورة في عهده. وهناك أيضا Thione Seck في السنغال, و Muhamman Shata , Lanrewaju Adepoju ,Sulaimon Ayilara Ajobiewe في نيجيريا, و Papa Susso في غامبيا وغيرهم الكثير.
جيبو بادجي
وُلد النيجري “جيبو بادجي” في عام 1941م في “تونكو بانغو” ببلدية “لِيْبَوْرَيْ” (Liboré) الواقعة في مقاطعة “كولو” – منطقة “تيلابيري”. وكان مؤرخا شهيرا وراوي قصص شفوية من إثنية “زَرْما”. وهو آخر من عَرَف جميع سلاسل النسب للعائلات العظيمة في مجتمع النيجر – ما يقرب من 300 نسب. كما أنه قادر على سرد الملاحم العظيمة بين “سُنغاي” و “زَرْما” التي لها ارتباط تاريخي مع إمبراطورية “سنغاي”.
ويرافق “بادجي” – الذي قال عن نفسه يوما: “أنا أمّ وأب الكلمة” – العود ذو الثلاث أوتار. ولأنه أخفق في نقل هذا الكنز الثقافي الثريّ لأبنائه، فقد أمضى أوقاتا في سنواته الأخيرة لنقل تراثه الشفوي إلى عالمة الاثنولوجيا السويسرية “ساندرا بورناند” – والتي التقى بها وهي طالبة شابة جاءت لقضاء شهر في نيامي عاصمة النيجر عام 1994. وخلال هذا الاجتماع الأول، أوضح “جيبو” لـ”بورناند” أهمية مهنته وجعلها تسجل قصة أولية منه لتحولها العالمة السويسرية فيما بعد إلى موسوعة كتابية.
وقد توفي “جيبو بادجي” في يوم 24 من شهر أبريل الماضي (2018) عن عمر يناهز 80 عاما.
أما “زرما”, فهي مجموعة إثنية تتواجد غالبيتها في الجزء الغربي من النيجر، وبأعداد كبيرة في المناطق المتاخمة لنيجيريا وبنين، إلى جانب أعداد في بوركينا فاسو وساحل العاج وغانا.
وقد بدأ “جيبو بادجي” تعلّم سلالات “زرما” في سن 7 من والده “بادجي بانيا”، وحفظ جميع الأنساب من نبلاء “زرما” وعائلات “سنغاى” في النيجر ليلة بعد ليلة جالسا بجانب النار (أو ما يعرف ب Doudal). إضافة إلى ما علّمه والده من أنساب المشيخات التقليدية وقصص محاربي “زرما”.
ومع ذلك, لم يكن أيٌّ من أبناء “جيبو بادجي” البالغ عددهم 30 أو نحو ذلك – الذين تلقوا دروسهم من المدرسة الحديثة – مهتمين باتباع هذا التعلّم الشفهي ومتابعة تلقى هذا الموروث التقليدي حتى نهايته. وبالتالي ليس لـ”بادجي” أي خليفة في المهنة.
أما عالمة الاثنولوجيا السويسرية “بورناند”, فقد استفادت الكثير من “جيبو”, حيث لديها اليوم حوالي 500 ساعة من التسجيلات التي كانت تعمل على كتابتها في لغة الزرما والفرنسية، وقد أصدرتْ بالفعل بعضًا منها ، بما في ذلك: “خطاب عالم نسب زرما في النيجر” ، “لنتحدث الزرما، لغة النيجر” و قصص “سُنَّا بونتو” الشهيرة و “حامَّا بوديجو باتي”.
ومما نُسب إلى “جيبو بادجي” أيضا قوله: “عندما لا نسلك طريقاً، سيختفي هذا الطريق”. فكان في رأي الجميع في نيامي – عاصمة النيجر – أعظم مؤرّخ وراوي قصص شفوية وعالم أنساب “زرما” في وقته.
ويُدعى “جيبو بادجي” تقليديًّا إلى الاحتفالات لتذكير الحاضرين عن المحتفل ونسبه، والثناء عليه وتذكيره بالتزاماته عبر سرد قصة لأسلافه.
وإذ كانت السويسرية “بورناند” تعزو سبب الاختفاء التدريجي لتقليد “زرما” الشفوي إلى تأثير الاستعمار والتغريب والتطرف, إلا أنّ ” بادجي” قد ذكّر الناس قبل وفاته بأنه لم يُفشِ كل الأسرار ولم يُخبر عالمة الاثنولوجيا الأوروبية (السويسرية) كلّ ما يعرفه عن هذا الموروث التقليدي, لأن هناك أسرارا لـ”زرما” سيحملها هو معه إلى القبر!
ـــــــــــــ
Sandra Bornand (2018). Niger : le décès de Djibo Badjé, grand griot zarma, laisse la parole orpheline. Jeane Afrique: https://bit.ly/40ry77w
Sandra Bornand (2005). Le discours du griot généalogiste chez les Zarma du Niger, Volume 1. Karthala Publisher: https://bit.ly/3Y2zI24
Amélie Tulet (2013). Djibo Badjé, dernier grand griot historien zarma du Niger. RFI: https://bit.ly/3HrZUvG
Vernon-Jackson, H. (2012). West African folk tales. Courier Corporation.