إسواتيني .. آخر ملكية مطلقة في أفريقيا

حكيم ألادي نجم الدين
حكيم ألادي نجم الدين - رئيس تحرير مجلة نيجيريا الثقافية.

تعدّ مملكة “إسواتيني”  (Kingdom of Eswatini) واحدة من أصغر الدول في أفريقيا بمساحة 17,364  كيلومتر مربّع. ولهذه الدولة عاصمتان رسميتان هما: “مباباني” (العاصمة الإدارية) و “لوبامبا” (العاصمة التشريعية).

وتتميّز هذه الدولة بثقافتها الثرية, وخاصة أنها من أفضل الدول الأفريقية من حيث الحفاظ على ثقافاتها. وبغضّ النظر عن احتفالاتها التقليدية وعاداتها المختلفة في كل المناسبات؛ تتمتع “إسواتيني” بمناخ وتضاريس متنوعة تتراوح بين المناطق الباردة الجبلية والمرتفعة, والمناطق المنخفضة الجافة.

ومن الناحية التاريخية؛ لقد عُثِر في “إسواتيني” على قطع أثرية تعود إلى 200,000 سنة ولوحات قديمة من الصخور تعود إلى قرابة 25,000 قبل الميلاد. وتقول المصادر التقليدية إن السواتيّينن (شعب سواتي) سكان الدولة الحالية هاجروا قبل القرن السادس عشر إلى ما يعرف الآن بـموزامبيق, واستقروا في شمال “زولولاند” في حوالي عام 1750م بعد سلسلة من الصراعات مع السكان الذين يعيشون في منطقة “مابوتو” الحديثة (عاصمة موزمبيق). وأنهم تَحرّكوا تدريجيا نحو الشمال في القرن التاسع عشر لعدم قدرتهم على مضاهاة تنامي قوة قبائل “زولو”، وأقاموا في منطقتهم الحديثة أو التي يعرف اليوم بمملكة “إسواتيني”.

وتشير الروايات إلى أن “مسواتي الثاني” (1820م – 1868م) أصبح مِلكاً لـ”سواتي” وهو في 16 عاماً من عمره، وأنه “أعظم الملوك المقاتلين في مملكة سواتي”. ولعلّ أكبر دليل على ذلك أنّ الملك نجح في بناء أمة سواتية, وأخذ شعب المملكة اسمه (سواتي) من اسم الملك (مسواتي).

ولأنّ حدود البلاد الحالية وُضِغتْ في عام 1881م نتيجة “التكالب على أفريقيا”, فإن المملكة تقسم حدودها مع موزمبيق إلى شمال الشرق, وجنوب أفريقيا إلى الشمال والغرب والجنوب. وكانت البلاد أيضا – بعد حرب “أنغلو-بوير” – محمية بريطانية من عام 1903م إلى أن استعادتْ استقلالها في 6 سبتمبر 1968م.

وعن نظام الحكم في مملكة “إسواتيني”؛ فهو ملكيّ مطلق حيث يشارك الملك حكم البلاد مع والدته الملكة الأم (ندلوفوكاتي)؛ فالملك هو الرئيس الإداري للدولة ويعيّن رؤساء الوزراء في البلاد وعددا من ممثلي المجلسين (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) في البرلمان، في حين أن الملكة الأم هي الرئيسة الوطنية، وحارسة عادات البلاد وأدوات الشعائر والطقوس السنوية.

وقد اعتُمِد الدستور الحالي في عام 2005. كما أن الانتخابات تُجرى كل خمس سنوات لتحديد الأغلبية في مجلس النواب في مجلس الشيوخ.

تغيير اسم الدولة

في عام 2018 أثناء مناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالها؛ تخلّتْ المملكة عن “سوازيلاند” – الاسم القديم الذي عُرفت بها البلاد – لأنه يسبّب لها بعض الارتباك حيث الناس لا يكادون يفرّقون بين “سوازيلاند” و “سويتزالاند” (سويسرا)؛ فالأولى مملكة ودولة حبيسة مستقلة في إفريقيا الجنوبية, بينما الثانية دولة في أوروبا.

ولم يكن تحبيذ المؤيدين لفكرة تغيير الاسم فقط لأنها تعني التخلي عن الاسم المفروض على السكان في حقبة الاستعمار البريطاني وأنها إعلان الدخول في حقبة جديدة؛ حيث “سوازيلاند” مصطلح معدّل انجليزيًّا مركّبٌ من اسم شعب المملكة “Swati” وكلمة “الأرض Land” في اللغة الإنجليزية. ولكنْ لأنّ الاسم الجديد “إسواتيني eSwatini” – والذي يعني مكان أو أرض شعب “سواتي” – هو الاسم الصحيح لشعب المملكة والمصطلح الصحيح في لغتها.

وقبل تبنّي “إسواتيني”, كان استخدام الاسم الجديد شائعا بين شعب المملكة. ومن المعروف أيضا أنّ الملك الحالي للبلاد “مسواتي الثالث” يرفض مصطلح “سوازيلاند” رفضا تاما خاصة في الاجتماعات الرسمية والدولية؛ فقد كان “إسواتيني” هو الاسم الذي استخدمه الملك عندما خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2017 وفي افتتاح البلاد للبرلمان في عام 2014.

من جانب آخر, هذه ليست المرة الأولى التي تُغيّر دولة أفريقية اسمها؛ فقد أصبحتْ “روديسيا” – بعد حصولها على الاستقلال في عام 1980 – تُعرف باسم “زيمبابوي”, وتغيرتْ جمهورية “فولتا العليا” في أغسطس 1984 إلى “بوركينا فاسو” الذي يعني “بلد النُّزَهاء/الناس الأطهار”.

ويمكن القول: إن تغيير اسم مملكة “إسواتيني” بشكل رسميّ, وتشبثّ شعبها حتى اليوم على تقاليده القديمة ومبادئه التي دائما ما يرى الحَيْدَ عنها خيانة للدولة وللشعب؛ يؤكدان على أن مملكة “إسواتيني” تطبّق حِكْمتَها القائلة: “سيسقط في الحفرة بلا شكٍّ؛ الظبي الذي يتحرّك وينتقل باستمرار”.

مواضيع المقال:
انشر المقال
بقلم حكيم ألادي نجم الدين رئيس تحرير مجلة نيجيريا الثقافية.
- باحث نيجيري مهتم بالتحولات السياسية والقضايا الاجتماعية والتنموية والتعليمية. - حاصل على دكتوراه في الأصول الاجتماعية والقيادة التعليمية من الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا (IIUM).