ألقى الجنرال “مُرتالا محمد”, الحاكم العسكري لنيجيريا من 29 يوليو 1975 حتى 13 فبراير 1976 – خلال مشاركته في اجتماع منظمة الوحدة الأفريقية في 11 يناير عام 1976 بأديس أبابا – خطابا صُنّف ضمن الخطابات المؤثّرة للقادة والزعماء السابقين حول العالم, حيث ردّ فيه على رسالة من الرئيس الأمريكي “جيرالد فورد” الذي كان يعارض “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” التي تولت السلطة في أنغولا وتحظى بدعم من قبل الاتحاد السوفيتي.
وكانت حكومة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا تدعم بقواتها ومواردها الفصائل المقاتلة ضد “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا”, ما جعل الجنرال “مُرتالا” يعترض على انحياز الرئيس الأمريكي “فورد” لحكومة الفصل العنصري الجنوب أفريقية, ورفض “فورد” الاعتراف بحق الشعوب الأفريقية في تقرير مصيرها.
ومما جاء في خطاب “مُرتالا محمد” قوله:
“سيدي الرئيس، عندما أتأمل شرور الفصل العنصري، ينزف قلبي وأنا واثق من نَزْفِ قلب كل أفريقي حقيقي أصيل. .. وبدلاً من التعاون مع القوى التي تناضل من أجل تقرير المصير ومناهضة العنصرية والفصل العنصري، قرّر صانعو السياسة في الولايات المتحدة بوضوح أنّه من مصلحة بلادهم الحفاظ على التفوق الأبيض وأنظمة الأقليات في أفريقيا ..
لقد بلغتْ أفريقيا سنّ الرُّشد. ولم تَعُدْ تحت مدار أيّ قوة قارية إضافية.يجب أن لا تأخذ (أفريقيا) أي أوامر من أي بلدٍ مهما كانت قوية. فثروات أفريقيا في أيدينا لنصنع أو نفسد بها. لفترة طويلة جدا أُسِيئ معاملتنا: لفترة طويلة جدا عُوملنا كالمراهقين الذين لا يستطيعون تمييز اهتماماتهم والتصرف بناءً عليه.
لقد افتُرِض لفترة طويلة أن الأفريقي بحاجة إلى “خبراء” خارجيين ليُخبروه مَن هم أصدقاؤه ومن هم أعداؤه. لقد حان الوقت حيث نوضح أن بإمكاننا التقرير لأنفسنا؛ أنّنا نعرف مصالحنا الخاصة وكيف نحمي تلك المصالح؛ أننا قادرون على حل المشاكل الأفريقية دون دروس متغطرسة عن مخاطر أيديولوجية، والتي في أكثر الأحيان لا علاقة لها بنا، ولا بالمشكلة المطروحة.”
..فلم يُصب “مُرتالا” أهدافه من هذا الردّ فقط حيث دهس به على أناس خارج أفريقيا, بل أيقظ به جنرالات الجيش المتربصين به منذ وصوله إلى السلطة في نيجيريا؛ وكانت النتيجة أنْ قُتل “مُرتالا محمد” بعد مرور 34 يومًا على إلقائه هذا الخطاب.
“مُرتالا محمد” .. الولادة والدراسة
كان “مُرتالا محمد” استثنائيا عندما يكون الحديث عن التعاطف الذي يبديه النيجيرييون تجاه القادة العسكريين السابقين في البلاد؛ فكل قادة الجيش السابقين سَوَاسِيَةٌ ما عدا الجنرال مُرتالا محمد, ما جعلهم يتداولون فترة نظامه القصيرة بالحنين ويصفونها بالعصر الذهبي.. ولعلّ السبب أنّه في الوقت الذي تمّ تشويه سمعة الحكم العسكري في نيجيريا – قدّم “مرتالا” قيادة ديناميكية ذات مبادئ يتوق إليها مواطنوها – مع أنّ سيرته الذاتية تشمل أيضا مواقف مثيرة للجدل يتوقف عندها الباحثون عن تاريخ نيجيريا السياسي وحصاد الحرب الأهلية.
وُلد “مُرْتالا (مرتضى) رَحْمَتْ محمد” (Murtala Ramat Muhammed) في الثامن من نوفمبر عام 1938 في مدينة كانو القديمة لأبوين, هما: “مالام (مُعلّم) محمدو رِزْقُوَا” و “مالاما (مُعلّمة) أُواني رَحْمَتُو (رَحْمَتْ/رامات)”. وكان والده مُعلماً مثقفاً مهتمّا بالتعليم, وبفضل تبصّره في مستقبل البلاد حرص الوالد على أن يحصل ابنه على “تعليم جيد؛ فتلقّى “مُرتالا” تعليمه الابتدائي في مدارس ابتدائية في كانو, وانتقل إلى “مدرسة كانو المتوسطة” (أصبحت الآن “كلية رمفا”). ومن هناك حصل على القبول في الكلية الحكومية (المعروفة فيما بعد بـ”كلية بَارَيْوَا”) في زاريا بولاية كادونا.
وإذ توفي والد مُرتالا في عام 1953 بينما كان في السنة الثالثة في كلية الحكومة زاريا؛ فقد أكمل مُرتالا تعليمه الثانوي بنتائج ممتازة وحصل على شهادته المدرسية في عام 1957, وتجنّد في الجيش النيجيري في عام 1958.
وكضابط في الجيش النيجيري؛ حضر “مُرتالا” عدة دورات خارج نيجيريا. وتدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية بـ “تيشي” في غانا، وأكاديمية ساندهيرست العسكرية في إنجلترا. ولقوة ذكاء “مُرتالا” واجتهاده في ساندهيرست؛ فقد كان حكم القائد أنه “الطالب الأكثر ذكاء الذي عمِل بجدّ وبشكل جيّد لإنتاج نتيجة أعلى من المتوسط. فقد كان فوق المتوسط في القيادة والقدرة على التنظيم.”
بعد التدريب, كُلِّف “مُرتالا” كملازم ثانٍ في عام 1961 وتم تعيينه في إشارات الجيش النيجيري في العام نفسه. وخدم مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية كملازم. ولدى عودته من الكونغو الديمقراطية عُيّن ضابطا مرافقا للدكتور “موسيس ماجيكودونمي” (Moses Majekodunmi) – مدير إقليم غرب نيجيريا – عقب إعلان حالة الطوارئ في الإقليم.
وفي عام 1963 أصبح “مُرتالا” الضابط المسئول عن فرقة اللواء الأول في كادونا نيجيريا. وفي العام نفسه سافر إلى إنجلترا للالتحاق بمدرسة الإشارات في “كاتريك” لدورة تدريبية حول تقنيات الإشارات والاتصالات المتقدمة. وبحلول نوفمبر عام 1965 عُيّن رئيسا للإشارات في الجيش, وحصل في يناير 1966 على رتبة المقدّم ومفتشًا للإشارات (بالنيابة) في الجيش في لاغوس.
انقلاب يناير 1966.. والانقلاب المضاد (يوليو 1966)
لقد أدّت الانقسامات العرقية بشكل عام وشكاوى الإقليم الشرقي وقبائل الإيبو من التهميش؛ حيث رأوا (ولا يزالون يرون) أنّ الشماليين هم من يهيمنون على السلطة المركزية والمناصب العليا المهمة في نيجيريا منذ الاستقلال.. إلى أن شهدت نيجيريا أولى انقلاباتها العسكرية في 15 يناير 1966 عندما قام “تشوكوما كادونا نزيهُغْوو” (Chukwuma Kaduna Nzeogwu) و “إيمانيويل إفيهاجونا” (Emmanuel Ifeajuna) – وهما من الإيبو – بقيادة جنود متمردين لعملية انقلابية قتلوا إثرها شخصيات سياسية وعسكرية كثيرة من الشمال ومن يوالي الشماليين في الجنوب والشرق – من بين القتلى: الحاج “أبوبكر تافاوا باليوا” – رئيس وزراء نيجيريا, الزعيم “فستوس اوكوتي-إيبوه” – وزير المالية, الزعيم “صامويل لادوكي أكينتولا” – رئيس الحكومة في إقليم غرب نيجيريا, والحاج “أحمدو بلّو” – رئيس الحكومة في إقليم شمال نيجيريا.
وقد تمّ احتواء الانقلابيين خلال أيام من بدء العملية الانقلابية, إلا أنّ القائد العام للجيش النيجيري “جونسون أغويي-إيرونسي” (Johnson Aguiyi-Ironsi) – وهو أيضا من الإيبو. ومع ذلك استغلّ “أغويي-إيرونسي” الانقلاب كذريعة للاستيلاء على السلطة، مما أنهى الحكم المدني النيجيري الناشئ وقتذاك. وهذه الحادثة أيضا من الوقائع التي أدت إلى الحرب الأهلية النيجيرية (بيافرا).
ويرى إذ البعض أنّ “أغويي-إيرونسي” أعاد الحياة إلى طبيعتها في البلاد بسجن صانعي الانقلاب وإجبار الحكومة الفيدرالية على تسليم دفة الحكومة له, فإنّ “مُرتالا محمد” وكثيرا من الشماليين رأوا أنّ إحجام “إيرونسي” عن محاكمة قادة الانقلاب بمثابة مؤشر على دعمه لعمليات القتل. وقد ثار ثائرهم عندما علموا بترقية العديد من ضباط الإيبو، والأسوأ من ذلك أن بعض هؤلاء الضباط الإيبو قد تمّت ترقيتهم ليحتلّوا المناصب التي سبق أن احتلّها الضباط الشماليون الذين قتلوا في يناير.. وبالتالي؛ عارض السياسيون وموظفو الخدمة المدنية في الشمال نظام “أغويي إيرونسي” وكثّفوا ضغوطهم على ضباط شماليين في الجيش للثأر والانتقام.
وكما كتب المؤرخ النيجيري “ماكس سيولون” (Max Siollun) : “فَقَدَ مرتالا والجنود الشماليون الكثير من الثقة في الفدرلة (الاتحاد) النيجيرية، وأرادوا الآن فصل المنطقة الشمالية من نيجيريا. وقد تم تجسيد هذه النية من خلال الاسم الرمزي لانقلاب الانتقام وهو: عملية “Araba” (وهي كلمة هوسوية تعني “فرّقْنا” – يفترض أنهم قصدوا به الانفصال عن بقية نيجيريا).”
توصّل الفصيل الشمالي إلى اتفاق وطريقة تنيفذ خطة الانتقام المتمثّل في انقلاب مضادّ، وأصبح “مُرتالا” محمد قائدا مؤثرا للفصيل داخل الجيش النيجيري. وكان بيت “مُرتالا” في لاغوس أيضا مكان اللقاء بين الجنود الشماليين للتشاور والتخطيط – وذلك لمكانة مُرتالا الحساسة كمفتش للإشارات.
وفي ليلة 29 يوليو 1966، تمرّد الجنود الشماليون ونفّذوا عميلة الانقلاب المضاد؛ واختطف الجنود رئيس الدولة والقائد العام للجيش النيجيري الجنرال “إيرونسي”, وأطلقوا النار عليه وعلى رجال الأمن ومجموعة من حراسه. ووقعت حوادث أخرى من القتل في جميع أنحاء البلاد.
بعد أيام من المفاوضات المتوترة في لاغوس، وافق الجنود الشماليون على البقاء في الاتحاد النيجيري وترْك مخطط الانفصال بشرط أن يصبح كبيرهم رئيسًا للدولة. وقد حصلوا على رغبتهم؛ حيث نُصِّب اللفتنانت كولونيل “ياكوبو (يَعْقُوبُو) غُوَانْ” (Yakubu Gowon) قائدا أعلى للقوات المسلحة النيجيرية – رغم تعنّت “مُرتالا” الذي أراد منصب “القائد الأعلى” لنفسه – ولكنّ “غُوان” أكبر منه عسكريًّا ويحظى بدعم بريطانيا والولايات المتحدة.
وبحسب “سيولون”, لم يوقف صعود “ياكوبو غوان” إلى السلطة عمليات القتل والهجمات التى يتعرض لها الإيبو في الشمال, حتى بعد أن أعطى “غوان” ضمانات للإيبو حول سلامتهم. ومع أنّ العلاقة بين “غُوان” ورجل الجيش القويّ “مُرتالا محمد” متوترة ودائما ما يطفو الصراع بينهما إلى السطح، إلّا أن “غوان” كافأ “مُرتالا” بتأكيد رتبته (كان مُرتالا قبل ذلك في رتبة اللفتنانت كولونيل بالنيابة) وتعيينه (مفتشا للإشارات).
الحرب الأهلية النيجيرية (بيافرا)
رفض الحاكم العسكري لإقليم الشرق، اللفتنانت كولونيل “تشُكْوُوْإِيمِيكا أَوْدُمَيغْوُو أَوْجُوكْوُو” (C.O. Ojukwu), الاعتراف بـ “غُوَان” كرئيس للدولة. ومع ذلك فضّل غُوَان” التوصل إلى الحلّ عبر التفاوض السلمي، بينما رأى “مرتالا” بأن الوضع يتطلّب التعامل مع “أوجوكوو” بقبضة حديدية, وأنه يجب اتخاذ خطوات فورية للتحضير للحرب المحتمل ضدّ “أوجوكو”. وبالفعل, لم تحلّ المفاوضات تلك الأزمة، ما أدّى إلى انفصال إقليم الشرق عن نيجيريا في مايو 1967 وأعلن “أوجوكوو” عن قيام جمهورية “بيافرا” المستقلة.
وفي المقابل, ردّ “غُوَان” على إعلان الجمورية الجديدة بمطالبة قواته استعادة شرق البلاد بطريقة “عمل الشرطة”. وتحوّل “عمل الشرطة” إلى حرب كاملة عندما قام جيش “بيافرا” بغارة خاطفة لمنطقة الغرب الأوسط التي فأجأتِ الجيش النيجيري وهزّتْه. ومن هنا جاء دور “مُرتالا محمد”.
لقد قاد “مُرتالا” فرقة المشاة الثانية (Division 2 Nigerian Army) حديثة النشأة وقتذاك والتي تمّ تعيينه أول قائد عام لها في أغسطس 1967. وكانت هذه الفرقة مسئولة عن الضربة القاضية من منطقة الغرب الأوسط ضد جيش الانفصاليين (بيافرا)، إضافة إلى عبور الفرقة لـنهر النيجر والانضمام إلى الفرقة الأولى.
وهناك رواية لضابط سابق في الفرقة الثانية (ماكس سيولون, 2009, ص. 163) وتقرير جديد لمؤلفين؛ تفيد بأن “مُرتالا محمد” خلال فترة توليه منصب قائد الفرقة الثانية، تورط في عدة انتهاكات وجرائم إعدام في حق المقاتلين الانفصاليين في بيافرا. وقد أشار مؤرخون نيجيريون إلى هذا القتل الجماعي للمدنيين باسم “مذبحة أسابا” (Asaba Massacre) – نسبة إلى المدينة التي وقعتْ فيها الحادثة, وهي “أسابا” عاصمة ولاية “دلتا” اليوم بجنوب نيجيريا.
وفي عام 1968 استُبْدِل “مُرتالا محمد” من منصبه كقائد للفرقة الثانية؛ أُعِيد نقله إلى لاغوس في مارس من العام نفسه وعُيّن مفتشًا للإشارات. وفي أبريل 1968 تمت ترقيته إلى رتبة العقيد.
المفوض الاتحادي (وزير) للاتصالات
التحق “مُرتالا” بكلية أركان الخدمة المشتركة في إنجلترا عام 1970 وعاد في عام 1971 لتتمّ ترقيته إلى رتبة العميد/القائد اللواء في أكتوبر 1971 بعد الحرب الأهلية. وفي 7 أغسطس 1974 عُيِّن مفوضا اتحاديا (أو الوزير) للاتصالات, وذلك للإشراف على تطوير البنى التحتية للاتصالات وتيسير فعاليتها من حيث التكلفة خلال الطفرة النفطية. وقد جمع “مُرتالا” بين هذا المنصب الجديد ومهامه العسكرية كمفتش للإشارات في مقر إشارات الجيش في أبابا، لاغوس.
وإذ أكسب فوز الحكومة النيجيرية في الحرب الأهلية رئيسَ الدولة الجنرال “ياكوبو غوان” بلقب البطل, وأتاح له نجاحه وجهده في توحيد بلدٍ متصدّع مكانةً هائلة محليا ودوليا؛ إلّا أنّ “مرتالا محمد” – رغم كونه مفوضا اتحاديا للاتصالات – لم يتردّد عن اتّهام “غُوان” بالمماطلة والتردد في زمن السلم، وانتقد أسلوب “غُوان” في الحكم بشكل صريح.
انقلاب 1975 ورئاسته لنيجيريا
في 29 يوليو 1975، تمت الإطاحة بالحاكم العسكري ورئيس الدولة الجنرال “ياكوبو غوان” أثناء حضوره القمة الثانية عشرة لمنظمة الوحدة الأفريقية في كمبالا، أوغندا. وطلب الانقلابيون من “مُرتالا محمد” تولّي منصب رئاس الدولة وقائد أعلى للقوات المسلحة لجمهورية نيجيريا الاتحادية.
وأعلن “مُرتالا” بعد تعيينه للمنصب أنّ حكومته ستكون “نظاما تصحيحيا” من شأنه معالجة الفساد الذي أصبح جزءاً من المؤسسات الحكومية في نظام سابقه “غُوان”. وعَيّن كلّا من العميد “أولوسيغن أوباسانجو” (أصبح فيما بعد الليفتنانت جنرال) رئيسا للأركان ورئيسا لمقر القيادة العليا, والعميد ” ثيوفيلوس دانجوما” (أصبح فيما بعد الليفتنتانت جنرال) رئيسا لأركان الجيش. كما تم ترقية “مُرتالا محمد” إلى رتبة الجنرال في يناير 1976.
إنجازاته وإرثه
هناك عدد من الإنجازات التي حققها “مرتالا” في وقت قصير من توليه منصب رئيس الدولة, وكسبت سياساته دعمًا شعبيًا واسعًا جعل الكثير من النيجيريين ينظرون إليه كبطل شعبي؛ فقد كان من أدخل عبارة “زملائي النيجيريين” و “بأثر فوري” إلى المعجم الوطني – أثناء الانقلاب الذي أتى به إلى السلطة.
وأثناء حكم “مُرتالا” القصير, ساهمت الأموال الضخمة المولّدة من الطفرة النفطية في بدء سلسلة من مشاريع البناء الكبيرة في نيجيريا. وأعلن “مُرتالا” عن خطط لتخلّي الجيش عن السياسة – وذلك ردّا على النقاش الوطني السائد آنذاك حول استمرار السيطرة العسكرية على الحكم؛ ووضع إطارًا لعودة نيجيريا إلى الحكم المدني في 1 أكتوبر 1979.
ومن جانب سياسته الخارجبة؛ فقد اختلف موقف “مُرتالا” عن سلفه “ياكوبو غُوان” الذي تبنّى “الحيادية” في “الحرب الباردة” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي, وبقى نظامه – أي “غُوان” – على علاقة ودية مع الدول الغربية رغم شرائه أسلحة من الاتحاد السوفييتي.
وأمّا نظام “مُرتالا”؛ فقد تبنّى سياسة خارجية أكثر حزما, واعترف – رغم رفض الولايات المتحدة الأمريكية – بالحزب الماركسي “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” (MPLA) كحكومة شرعية لأنغولا. وحثّ دولا أفريقية أخرى على اتخاذ الموقف نفسه، بل وعزّز تحركاته الدبلوماسية بتقديم مساعدة مالية ضخمة لـ”الحركة الشعبية لتحرير أنغولا”.. الأمر الذي جعل بعض القوى الغربية قلقة من أن النظام الجديد في أغنى دولة بإفريقيا يحفّز الدول الأفريقية الأخرى على الاعتراف بحكومة ذات أيديولوجية شيوعية.
وفيما يلي أهمّ إنجازاته وإرثه باختصار:
- تسمية أبوجا عاصمة جديدة لنيجيريا (فبراير 1976)
- إنشاء 7 ولايات نيجيرية (فبراير 1976)
- تسريح القوات بعد الحرب الأهلية النيجيرية
- صياغة دستور جديد
- المشاركة في تحركات إنهاء الفصل العنصري بجنوب أفريقيا
- دور فعال في تحرير دول أفريقية مثل أنغولا وزيمبابوي
- الرقابة الفدرالية على الجامعات التي تديرها الدولة
وحتى اليوم, لا تزال الكتابات التاريخية عن “نيجيريا الحديثة” تصف إدارة “مُرتالا محمد” بأنها نقطة تحوّل في تاريخ نيجيريا، وخاصة فيما يتعلّق بتعامله مع شئون الدولة الذي يُنظر إليه كمعيار في القيادة.
عائلته
يُلاحظ من الفقرات الأولى لهذا المقال أنّ الاسم الرسمي لـ “مرتالا” يضمّ اسم والدته؛ ذلك لأنّ الجنرال يحب والدته كثيرا لدرجة أنه عندما تسلّم منصب رئيس الدولة في عام 1975 أسقط اسمه الأوسط – وهو “رفاعي” (Rufai) – واستبدله بـ “رَحْمَتْ” أو “رامات” تكريمًا لها.
واحتفظ “مرتالا” بعلاقات متينة مع كل القبائل الرئيسية في نيجيريا – وخاصة مع اليوروبا في غرب نيجيريا (أو جنوب غرب نيجيريا حاليا) – وهذا واضح في معاملاته معهم قبل أن يصبح رئيس الدولة, وتعييناته بعد توليه المنصب؛ فقد قيل إنّ والده “محمدو رزقوا” مَارَسَ مهنة التجارة في حيّ “أغيغي” في لاغوس.
كما أن “مُرتالا محمد” في عام 1962 كان ضابطا مرافقا لمدير الإقليم الغربي الدكتور “ماجيكودونمي”, وبعد سنة – أي في عام 1963 – تزوّج “مرتالا” من سيدة يوروبوية تدعى “حفصة أَجَوْكَيْ” (Hafsah Ajoke) – ويقال إنّ لأحد أبويها أيضا جذورا فلانية. وكان أحد أفضل أصدقائه الزعيم “مشهود أبيوولا” (Chief M.K.O Abiola).
وقد ذكرت “حفصة أجوكي” زوجة “مرتالا محمد” أنهما لَقِيا بعضهما البعض في عام 1961 أثناء دراستها في كلية صحة الأسنان بـ لاغوس, وأنهما تزوجا في كادونا عام 1963 بعد دراستها. ولهما 6 أولاد – بمن فيهم “أَبَّا محمد” (المعروف أيضا باسم “رزقوا محمد”) الذي كان مستشارًا خاصًا للرئيس النيجيري السابق “أوباسانجو” حول الخصخصة.
اغتياله (فبراير 1976)
في 13 فبراير 1976, قاد اللفتنانت كولونيل “بوكا سوكا ديمكا” محاولة انقلاب, وتعرضتْ سيارة “مُرتالا محمد” لكمينٍ نصبتْه مجموعة من القتلة المكونة من قائد الانقلاب “ديمكا” وغيره, وذلك عندما كان “مرتالا” في طريقه إلى مكتبه في ثكنات “دَوْدَنْ” (Dodan Barracks) في لاغوس؛ وقد قُتل “مُرتالا” البالغ من العمر 37 عامًا، مع مرافقه العسكري الملازم “أَكِنْتُنْدَيْ أَكِنْشَيْهِنْوَا” (Akintunde Akinsehinwa)، في سيارته السوداء.
وفي رأي “سيولون”, فقد ارتكب “مُرتالا محمد” خطأين جسيمين – ربما كلفاه حياته؛ فقد سعى “مرتالا” عندما تولى منصب رئيس الدولة إلى إزاحة وفصل الضباط ذوي الأقدمية الذين كانوا أكبر منه رتبة. ثم أمر “مُرتالا” – الذي كان عميدا وقتئذٍ – بتقاعد جميع ضباط القوات المسلحة ذوي رتبة اللواء وما فوقها.
ويتمثل الخطأ الثاني في أنّه لم يأخذ أمنه الشخصي بجدية أكبر – ربما لشعبيته القويّة بين المواطنين التي جعلته غير مهتمّ بالتفاصيل الأمنية الهائلة التي يتميز بها العديد من رؤساء الدول الذين عاصروه؛ فقد كان يختلط مع الجماهير ويتجوّل بحرية في شوارع لاغوس المزدحة دون موكب السيارات. ومما يعضد ذلك أن علامة الحماية الوحيدة التى اتخذته “مرتالا” بعد قتله هي؛ مسدسٌ يحمله خادمه، مما سهلت عملية الاغتيال.
وقد فشل الانقلاب ضد “مُرتالا محمد” بعد عدة ساعات؛ إذ قامتْ القوات الموالية لحكومته باحتواء الوضع، وتم القبض على قائد الانقلاب اللفتنانت كولونيل “ديمكا” الذي اعترف بتورّط رئيس الدولة السابق الجنرال “ياكوبو غُوان (الذي أطاح به الجنرال “مرتالا محمد” في يوليو 1975) ودوره في الانقلاب. وأُعدِم “ديمكا” مع 38 ضابطًا عسكريًا ومدنيًا آخرين رمياً بالرصاص – بعد محاكمة عسكرية, بينما رفضتْ بريطانيا تسليم وترحيل “غُوان” إلى نيجيريا للمحاكمة.
وخلفا لـ “مرتالا”؛ تولّى رئيسُ الأركان والقيادة العليا الجنرال “أولوسيغُن أوباسانجو” مهامّ منصب رئيس الدولة, وأكمل خطة “مرتالا” بالانتقال المنظّم إلى الحكم المدني, وذلك بتسليم السلطة للحاج “شيخو شاغاري” (Shehu Shagari) في 1 أكتوبر 1979.
تكريمه
لقد سُمّي مطار لاغوس الدولي باسمه تكريما له, وتحمل فئة 20 من عملة نيجيريا (نايرا) صورة الجنرال “مُرتالا محمد”. توجد شوارع وطرق في دول أفريقية باسمه – أبرزها (General Murtala Muhammed Avenue) في ناميبيا.
كما أنّ الجنرال “مرتالا محمد” حاز العديد من الأوسمة أثناء خدمته للأمة النيجيرية, منها: نجمة خدمة القوات المسلحة (FSS) ، نجمة خدمة القوات المسلحة النيجيرية، وسام الخدمة العامة، نجمة الخدمة الجديرة بالتقدير (MSS) ، وسام الخدمة الوطنية و وسام الجمهورية (RM).