“أنيكولابو” (Aníkúlápó): عرض وتقييم في المنظور النقدي

آدم يوسف أموبولاجي
آدم يوسف أموبولاجي - نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.

إن مما يجعل العمل المسرحي أو التمثيلي يلقى قبولا منقطع النظير، ويحظى بشعبية كبيرة محاكاته للواقع الثقافي والاجتماعي لدى القوم الذين يُعَدّ هذا العمل من صميم آدابهم، وانطلاقا لبيان هويتهم ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم، وطريقا لاحبًا للإلمام بأفكارهم ومعتقداتهم إضافة إلى إتقان الممثلين لأدوارهم، وتوفير الآليات الحديثة من النوع الذي يخرج العمل للعالم بشكل متميز وبصورة متقنة في أدائها ورائعة في إنتاجها .

وأغلب الظن أن هذه المميزات هي التي منحت فيلم “أنيكولابو” (Aníkúlápó) شهرته الواسعه إقليميا ودوليا، وجعلته يحظى بتقدير جمهور حاشد من عشاق الأفلام اليوروبوية، ويحصل على وسامات وجوائز عدة من المؤسسات الفنية داخل البلاد وخارجها. وانطلاقا من هذه الشهرة والقبول رأينا عرض الفيلم وبيان هدفه، وما إذا إكان – فعلا – يمثل الثقافة اليوروبوية, وبيان قيمة هذا العمل في المنظور النقدي.

التخطيط والإخراج

لقد أنتج هذا الفيلم “كونلي أفولاين” (Kunle Afolayan)- وهو ممثل ومنتج ومخرج نيجيري – في صورة عتيقة لمملكة “أَوْيَوْ (oyo) في القرن السابع عشر، وعُرض الفيلم لأول مرة على منصة “نتفليس”  (Netflix) في سبتمبر من عام 2022. وبعد أسبوع من عرضه أصبح أكثر فيلم غير إنجليري مشاهدة على هذه المنصة، مع ارتفاع تصاعدي بالنسبة 8.7 لزيادة عدد المشاهدين في كل ساعة.

وبدأ التخطيط في إخراج الفيلم منذ ست سنوات، وكان الهدف الذي أُرِيد منه تصوير قصة الشخص الأفريقي حتى يتمكن الناس من تشكيل حلقة وصل بينهم وبينها. وبناء على تصريحات “كونلي أفولاين” – مخرج الفيلم – مُبيِّنًا الدافع الذي جعله يتصدى بإخراجه بأنه نشأ وهو يُشاهد كثيرا من الأفلام التراثية الأفريقية والمسلسلات التي تعرض على التلفيزيون في الثمانينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، وكان يود أن يعيد الناس إلى هذه الأشياء مجددا بعد انقطاع طويل. وهذا الشغف والحنين إلى الماضي جعلاه يوظف التقنيات الحديثة في تقديم تلكم الأفلام التراثية – التي تعبر عن الوقائع في المجتمع الأفريقي قديما – في صورة أكثر مرونة تؤهلها لنيل اعتراف دولي.

ضمّ فيلم “أنيكولابو” على عدد كبير من الممثلين, أمثال” “كونلي ريمي” (Kunle Remi) و “بمبو أديموي” (Bimbo Ademoye) و “سولا سوبَوْوَالَيْ” ((Sola Sobowale و “حكيم كاي قاسم”(Hakeem kae kazeem)  و “تَيْوَو حسن أوغوغو” (Taiwo Hassan Ogogo) وغيرهم من كبار الممثلين.

حبكة الفيلم

يحكي الفيلم قصة “سارو” (Saro) – مثل دوره “كونلي ريمي” – الذي قَدِم إلى أَويو بوصفه غريبا، وهو ناسج قماش محليّ يستخدم ما يُعرف عند اليوروبوين بـ “أَسَوْ أُوْفِي” ( Aso Ofi). وكان لـ “سارو” علاقة غير شرعية مع الملكة “أرولاكي” (Arolake) – مثّلتْ دورها “بمبو أديموي” – التي لم تَسْعد بحياتها الزوجية جراء الكراهية والإحنة التي تضمر لها زوجات الملك الأخريات، إضافة إلى أنها لم تكن تريد الارتباط بالملك في المقام الأول إلا أنها ليس لها ملجأ إلا التسليم لقرار الملك وفقا للعادة.

وقعت الملكة “أرولاكي” في حب “سارو” وامتدت العلاقة بينهما, فقررا الهروب ولكن الملك تفطن إلى ما بينهما من علاقة سرية، فحكم بإعدام “سارو” بعد أن أوسعوه ضربا وساموه سوء العذاب, الأمر الذي أدى إلى موته. وبناء على أساطيرهم؛ فقد  أعاد “سارو” إلى الحياة طائرُ البوقير الأسود – المعروف بـ “Akala” عند اليوربا – وهذا بفضل حركات داهية قامت بها رولاكي وذلك بسرقة القرع (Ado) الذي يوجد بداخله القوى المخزونة لـ “إحياء الموتى” الذين لم يحن موعد وفاتهم… ومن هنا احترف “سارو” صناعة “إحياء الموتى” في قرية “أوجوما” (Ojumo) الجديدة التي لجآ إليها, وأصبح سكان هذه القرية يطلقون عليه لقب “أنيكولابو” (Anikulapo)  والذي يعني “الشخص الذي يحمل الموت في جعبته”.

وعندما أصبح “سارو” من الأعيان في قريته الجديدة، وشرع في اصطياد السيدات الأخريات وجر ذيوله وراءهن وخان بهذه الفعلة “رولاكي”. وقد كان السبب الوحيد الذي أفضى به إلى الغرور ثم الغطرسة هو طلبه المفرط من سكان القرية مَالًا مقابل إجراء عملية “إحياء الموتى” لاستعادة أرواحهم إلى أجسادهم. وعندما سمعت “أرولاكي” بأن “سارو” طلب التزوج بابنة ملك القرية الجديدة مقابل استعادة الروح إلى جسم وليّ عهد الملك؛ قوّضت “رولاكي” القوى التي تمد “سارو” بالنفوذ من خلال تفريغ القرع, وهو ما أدى إلى فشل “سارو” وإخفاقه الذريع في استعادة روح وليّ العهد.. وهناك عَلِم أنه لم يعُدْ يملك ما يكبح به جماح الموت.

عن عنوان الفيلم ولغته وموضع إنتاجه

بيّن مخرج الفيلم “كونلي أفولاين” بأن العنوان الحقيقي الذي يفترض أن يطلع به هو “Odu” الذي يعني في اليوروبا “ذيول الحكاية”, وكان من المخطط أن يكون مسلسلا, ولكن بعد تقديمه لمنصة “نيتفليس”(Netflix) أجازته المنصة بأن يُعرَض فيلما – لا مسلسلا.

أما عن مكان تصوير الفيلم, فقد أشار “أفولاين” بأن ثمة نقدات تعرّض لها حتى كتب الله نجاحا للعمل، مفادها أن الفيلم تراثي يستند إلى الأصالة اللغوية لدى اليوروبويين، وهذا – تلقائيا – يعني أن كل الذين يشاركون في الفيلم يتوجب عليهم أن يكونوا فصحاء متمكنين في لغة اليوروبا الأصلية. وأشار أيضا إلى أن طبيعة الفيلم تتطلب رجلا ذا طلعة بهية وفصيحا في اللغة اليوروبوية ليمثل دور “سارو”, لذلك قام باختيار الممثل “كونلي ريمي”. أما الممثلة “بمبو أديموي” التي مثلت دور الملكة “أرولاكي” فهي بارعة مع عمقها في اللغة اليوروبوية ومحاولتها في جعل كل شيء يبدو طبيعيا .

ونقلا من المخرج “كونلي أفولاين”؛ فقد تم تصوير الفيلم في مدينة “أَوْيَوْ” خلال ستة إلى سبعة أسابيع، واشتمل على قرابة ثلاث مئة شخص، وقد بنوا جميع المواقع التي استُخْدِمتْ للتصوير من الجلفة. وأفاد بأن مرحلة ما بعد الإنتاج تمت في نيجيريا – باستثناء تصحيح اللون والعلامات التي تمت في بريطانيا، كما أن قيمة الإنتاح لم تكن متساوية لأنه يريد أن يصل الفيلم إلى جمهور هائل.

وجدير بالذكر أن هذا الفيلم حصل – مؤخرا – على جائزة أفضل فيلم تراثي أفريقي في ” Africa Magic Viewers’ Choice Awards” لعام 2023.

أنيكولابو في المنظور النقدي

يتجلى لمتابع هذا الفيلم بقلب منفتح أنه محاولة هادفة في إعادة الناس إلى حياة بدائية تمثل المجتمع اليوربوي في حقبة زمانية ماضية, وتلاحظ هذه الأنماط التي تعد من صميم الجمالية الفنية لهذا العمل في النقاط التالية:

  1. إيصال رسالة هادفة تتمحور في القناعة والوفاء والولاء والإقرار بالفضل والثقة . لم تكن أرولاكي لتندم لو أنها اقنتعت بالمتع التي تحظى بها عند الملك لكنها سمحت لموجة الحب الطائش أن تعصف بها فآل أمرها إلى مصير غير محمود ، كما أن سارو لم يكن وفيا قنوعا مقرا بالفضل لأروكي تلك التي منحته الحب قبل أن تمنحه القوة، وما جعله صاحب نفوذ، فهي كما كانت مصدر قوته كانت المسببة لهلاكه .
  2. أصالة اللغة حيث كانت اللغة المستخدمة في العرض لغة ذات حيوية تنم عن سعة لغة اليوروبا في ألفاظها ومعانيها وعاداتها وتقاليدها وثقاتها ومعتقداتها, فكانت اللهجة لهجة أيويو التي تعد إحدى اللهجات الأصلية لقبائل يوروبا.
  3. استخدام كبار الممثلين اليوروبويين: إن مما زاد هذا الفيلم جودة وتميزا أنه يكاد يكون الوحيد من نوعه حتى هذه اللحظة الذي يشمل أغلبية الكبار من الممثلين اليوروبويين أصحاب الخبرات الطويلة في مجال التمثيل أمثال: أوغا بيلو (Oga bello) و ينكا قادر ( Yinka Quadri) و ديلي أودولي ( Dele Odule) و بابا وندي(Baba Wande)  و تايو حسن ( Taiwo Hassan) و فاتحة بلوغن (Fathia Balogun) وغيرهم.
  4. إتاحة الفرصة للجيل الصاعد : إن مما يتميز به هذا العمل أيضا أن يقوم بدور البطل في هذا الفيلم شخص لم يكن معروفا في الساحة التمثيلية اليوروبوية مسبقا وهو كونلي ريمي الذي مثل دور ( سارو ) كما يلاحظ في الفيلم وجوه جديدة غير هذه الشخصية.
  5. تقديم الثقافة اليوروبوية في صورة بهية : ويتمثل ذلك في رسم ملامح البيوت التي يسكنها اليوروبويون قديما، ونوع الأزياء التي يرتدونها رجالا ونساء على اختلاف طبقاتهم ، وطريقتهم في المعاملة التجارية ، وكيفية صنع الوعاء قديما.
  6. المعتقدات الخرافية: جسّد هذا الفيلم بعض ما يؤمن به جل اليوروبويين القدماء وبعض المعتقدات التي تنتفدها الأديان السماوية المختلفة. وخير مثال في الفيلم أن ثمة طائرا أسطوريا (البوقير الأسود) يأتي بقرع خُزنت فيه “قوة” تعيد الناس إلى الحياة بعد موتهم.

ومما قد يوخذ على الفيلم:

  1. تصوير بلاط الملك على نحو يخالف العادة اليوروبوية بعض الشيء حيث صوروا خروج الملكة من دون علم حراس البلاط أو حارسها الشخصي. وهذا مما وجهه بعض الناس من نقد تجاه هذا الفيلم وإن كنا نرى بأن الملكة أرولاكي قد بررت تمكنها من الخروج بقولها لسارو أنها كانت تلفق الأقوال لحارسها بأنها تقصد بيت أمها وتشغله بتقديم بعض النقود التي يستمتع بها له .
  2. قول بعض متابعي تاريخ يوروبا وثقافتها أن قرية “بوغن”(Gbogan) التي تقع حاليا في ولاية “أوسون” (Osun) بجنوب غرب نيجيريا لم تكن معروفة قديما بنسج القماش المحليّ, وهو ما يعني أنه لا يعقل أن يأتي “سارو” وهو يحترف هذه الصناعة من هذه القرية.

وكان موقف الباحث (كاتب هذا المقال) أن كون “سارو” يأتي من هذه القرية بوصفه خياطا مطرزا للأقمشة المحلية لا يعني أن تكون هذه القرية مشهورة بهذه الحرفة، فما دامت هذه الحرفة من متطلبات الحياة الأساسية في ذلك الوقت فمن الأولى أن يوجد أشخاص يحترفونها.

  1. مما يؤخذ على الفيلم أيضا أنه يجلو واضحا بعد أن صدر الحكم من الملك بإعدام “سارو” أنه ضُرِب من قبل الحراس ضربا لاذعا وكان وجهه ملطخا بالدماء إلى حد مبالغ, حيث يبدو للمشاهد أنه فقد عينه اليمنى؛ فهل يعقل أن يستعيد تلك العين بعد كل هذه الدماء؟!
  2. التقى “سارو” و “أرولاكي” بصياد، وكان هذا الصياد يكبرهما بكثير فهو لهما بمنزلة الوالد، وأثناء رجوع هذا الصياد إلى بيته برفقتهما كان يحمل غزالا اصطاده. فالمتوقع هنا – حسب التقاليد اليوروبوية – أن يساعده “سارو” بحمل هذا الغزال احتراما وتوقيرا للصياد الكبير إلا إذا كان هذا يخالف ثقافة الاصطياد والصيادين .
  3. هناك موضعان تظهر فيهما “أرولاكي” المفاتن من عوراتها والمواضع الحساسة من جسمها، حتى يكاد يجزم المشاهد بأن ثمة ممارسات جنسية في هذا الفيلم. وهذا يعارض طبيعة هذا الفيلم لأن الثقافة اليوروبوية القديمة وتقاليدها تتمتع بأدب وحياء وتهتم بستر العورة كما هو واضح في آدابها وأبياتها التعليمية الشعبية.
  4. عدم استيفاء حق التجميل في رسم العلامة على خدود الممثلين حيث تدنى هذا التجميل، وبدا على خدود بعضهم على شكل غير منظم وبصورة مشوهة. وهذا يقلل من مستوى ما بذل من مال وجهد كبيرين لإنتاج هذا العمل .
  5. إذا قبلنا الفرضية التي انطلق منها هذا الفيلم بأن للطائرة ( البوقير الأسود) قوة استعادة أرواح الذين توفوا قبل موعدهم الحقيقي وذلك بقوة مخزونة في القرع، والذي تمت سرقته فيما بعد من قبل “أرولاكي” وتسليمه لـ “سارو” بوصفه مصدرا لقوته، فهل يعقل أن يكون كلّ من أعاد “سارو” إليه روحه لم يحن موعد وفاته بعد ؟! ومن ثم أو ليس بإمكاننا القول بأن عجز “سارو” عن إعادة الروح إلى ولي العهد يعني أن موعده فعلا قد حان ؟؟

خاتمة

يمكننا القول بأن هذا الفيلم – بغض النظر عما وجه إليه من نقد وتساؤلات – يمتاز برسالة قيمة مفادها الخصال المحمودة مثل القناعة والوفاء ، وترك المبادئ المذمومة مثل الخيانة والجشع ، كما اهتم بالثقافة اليوروبوية، وصور نمط الحياة القديمة  في السبعينيات من القرن الماضي كما أعادنا إلى ثقافة تعدد الزوجات خاصة عند الملوك في قبيلة يوربا ، فقد شارك في هذا الفيلم الكثير من أصحاب الكفاءات والخبرات في مجال التمثيل اليوروبوي مما لا نشك أنه أسهم في نجاحه إلى حد كبير .

 

انشر المقال
بقلم آدم يوسف أموبولاجي نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.
- باحث نيجيري مهتم بالأدب والنقد. - طالب ماجستير في الدراسات الأدبية - جامعة القصيم.