قراءة سردية نقدية لرواية “الرئيس الذي لم يحكم” لـ “جامع أبيولا”

لانسي حسن عثمان
لانسي حسن عثمان

تعد كتابة القصص عنصرا مهما في الأدب، ومهارة أصيلة في الحضارة الإنسانية، يستفيدون منها على مختلف الطبقات والأجناس؛ إما لمتعة فنية أم لتسجيل الأحداث الواقعية. والرواية كقصة طويلة لها حبكى وعناصر أخرى، وهي كذلك تعكس تأثيرات الخصائص البيئوية على الظروف والمكونات النفسية للشعوب. وقد وجدت كتابة القصص هذه سبيلها في التطوّر النثري لدى الكتّاب النيجيريّين منذ مطلع القرن الحادي والعشرين, حيث انفتح قلبهم في فنّ الرواية، فصار الأديب النيجيريّ ينشر روايات في جميع ميادين الحياة – الاجتماعية والسياسية والرومانسية والواقعية والعجائبية. وكان من بين من حاذ بالجودة في الفن الروائي “جامع أبيولا”.

نبذة مختصرة عن الروائي

هو “جامع مشهود كاشيماوو أبيولا” (Jamiu Kashimawo Abiola). وُلد في ولاية لاغوس في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وكان والده “مشهود كاشيماوو أبيولا” مشهورا في السياسة النيجيرية، ومرشّحا لرئاسة الدولة في عام 1993م، ولكنه لم يصل إلى الحكم رغم فوزه في الانتخابات، لتغلب العسكريين وأصحاب النفوذ السياسية عليه.

تعلّم “جامع” اللغة العربية بأسلوب غير عادي، حيث كرّس نفسه للتعليم خلال فترة قصيرة جدا من الزمن، وأتقنها لشدّة ذكائه، ثم تعلّم اللغات الأخريات مثل: الفرنسية، الإيسبانية، والإيطالية، والبرتغالية، إضافة إلى اللغات المحلية الرئيسية في نيجيريا؛ هوسا ويوربا. تزوّج بفتاة كانورية من ولاية برنو نيجيريا، وأتقن لغتها كذلك نطقا وكتابة.

أصدر الكاتب الروائي “جامع” أبيولا أربعة أعمال، وهي: سجينة الضمير2013م، وآمال واقعية في سنة 2014م، الرئيس الذي لم يحكم في سنة 2015م، ثم الطمأنية في زمن الجائحة” 2021م. وكل هذه الأعمال مترجمة من اللغة العربية إلى للغة الإنجليزية[1].

فالرواية التي نكون بصددها؛ عنوانها “الرئيس الذي لم يحكم”، تلك الرواية الواقعية السياسية التاريخية، والتي تلقي الضوء على بعض الغموض التاريخي الذي أشكل على الشعب النيجيري في شأن الديمقراطية في نيجيريا؛ خاصة فيما يتعلق بوالد الكاتب. ومما تجدر الإشارة إليه سبب كتابة هذه الرواية، حيث قال:

“في شهر نوفمبر من عام 1998م، كنت جالسا في مطار أبوجا عاصمة نيجيريا، حيث اضطررت للمكوث أربع ساعات بسبب تأخر موعد إقلاع طائرتي إلى لاغوس، العاصمة السابقة لنيجيريا كنت لا أزال في المطار عندما حدث ما كنت خائفا منه منذ وفاة والدي المرحوم السيد مشهود أبيولا قبل عدة أشهر. فقد نشب خلاف حاد بين خمسة أشخاص كانوا بجواري، وانقسموا إلى فريقين وأخذوا يتجادلون فيما إن كان والدي يستحقّ أن يسمى بطلا بعدما ضحى بحياته نتيجة سعيه إلى الحفاظ على فوزه في الانتخابات الرئاسية النيجيرية؛ فهو قد مات في السجن، مما أنهى كفاحه ضد الحكومة العسكرية التي منعته من تولى الحكم”[2]

تجيب هذه الرواية على الحالات السياسية النيجيرية، وكيف قاوم مشهود السلطةَ العسكرية التي سيطرت على الحكم الدمقراطي في الدولة في تسعينات القرن الماضي.

البنية السردية للنص

البنية من البنائية أو البنيوية، وهي “تيار فكري يهدف إلى الكشف عن بنية الفكر الذي يشكّل أساس ثقافة الماضي والحاضر، وإلى تعقيد الظواهر، وتحديد مستوياتها وتحليلها للكشف عن العلاقات التي تتشكّل منها”[3]

بغض النظر من أن مفهوم السردية واسع جدا، فإنه لايوجد توحيد المصطلح لتعدد اصطلاحات الدارسين والنقاد لها حسب الأزمنة المختلفة، والمدارس المختلفة  بمفاهيم متغيّرة، كما هو المعتاد في المصطلحات النقدية أو اللسانيات الحديثة.

عتبة العنوان:

يعدّ العنوان بنية أساسية في هرم النص جماليا، لقد اختار “جامع” عنوانه “الرئيس الذي لم يحكم” الذي يوحي إلى القارئ شيئا من السياسة والسعي إلى نيل قوّة ديمقراطية، فلها دلالات جديدة التي لم تكن في متناول الروائيّين النيجيريّين. وتشير عتباتها الغلافية إلى واقعية الرواية، وجزءا من مساحات الرواية وأهم حالة بطلها الشخصية، إضافة إلى صورة مشهود أبيولا مع مجموعة من المنتمين إلى حزبه الديمقراطي في غلاف الرواية.

والعنوان مكوّن من جملة اسمية؛ بين المبتدأ والخبر، فلفظ “الرئيس” مبتدأ، فجملة اسم الإشارة والفعل وجزمه في محل خبر للمبتدأ. فهذه الجملة الإسمية تفيد دلالتين، دلالة إثباتية؛ ودلالة استمرارية، فاسم البطل في الواقع التاريخي يبقى في سجل التذكار في الدولة كبطل حقيقي، واستمرارية لأنه فَتَحَ لهم فرصة الديمقراطية في نيجيريا. وكذلك “العنوان” يحمل عدم تحقيق الحلم الذي تعب البطل من أجله.

تقنية البنية السردية للرواية:

أصبحت دراسة تقنية السرد ذات أهمية في موضوع الرواية، ويدور الحديث عن تقنية البنية السردية حول مكونات الرواية؛ التي هي مكونات النص السردي، وزاوية الرؤية، والحبكة، والحوار.

يتشكّل النص السردي من ثلاث مكونات، وهي: الراوي، والقصة والمروي له. التي اصطلح بعض النقاد بـ”السارد والرسالة، والمرسل إليه[4].

فالراوي حرّ طليق في اختيار طريقته في سرد أحداثه في الرواية، لكي يمتاز المروي ويتسم بتشكيل الأحداث يقترن بأشخاص، ويؤطّره فضاء من الزمان والمكان[5].

زاوية الرؤية: (point of view):

فقد اصطلح بعض النقاد هذا المصطلح بتسميات عدّة؛ منها: وجهة النظر، التبئير، المنظور المعين، والرؤية[6]، وهي”خلاصة الفهم الشامل للفعالية الإبداعية في نواحي النسج والبنية والدلالية والوظيفية[7]. وتعكس الرؤية العلاقة بين “هو” فاعل المنطوق، وبين “أنا” فاعل النطق بين الشخصية الراوي. وقد قسمه النقاد إلى “الروية من الخلف، والرؤية مع، والرؤية من خارج”. واستعان الكاتب بهذه الرؤى كلها في سرد أحداث روايته.

وتغلب على الرواية الرؤية من الخلف، حيث يكون للسارد أكثر معرفة من الشخصية الروائية، ويرى ما خلف اعتقاداته، كما يرى كل شيء ما يجري في ذاكرته وأحاسيسه، فهو السارد العليم. فالروائي يمثّل هذه الرؤية بشكل كامل في سردياته. يقول:” كان مشهود متحمّسا للغاية منذ بدئه تجارة الحطب. وقد اضطر إلى أن يفتح متجرا أمام منزل أبيه بسبب قلة رأس المال، ولم يجنِ أية مكاسب في أيام عمله الأولى”[8]

يشير النص إلى سيطرة الراوي العالم بجميع خواطر شخصياته، حيث تمكن من ذكر ما يجري في ذاكرته وشعوره. وقد تحدث عن الشخصيات بضمائر غائبة في “كان، اضطر” التي هي رمز الرؤية من الخلف.

وقد تميّزت هذه الرواية في مقدمتها وعنصر عند استقرار، وفي وسطها بالعرض، والاسترجاع والاستباق في سرد أحداثه، حيث إن افتتاح الرواية كانت عن دخول مشهود أبيولا طائرته الخاصة بعد أن تلقى الضوء الأخضر من قبل الحكومة الفدرالية بأن يتسابق في الرئاسة، ثم ثكون الفقرة التالية له سرد عن ميلاده وكيف عان من الفقر المدقع الذي أكسبه الشجاعة في طلب الرزق، ثم يعيد بالقارئ إلى مسيرته السياسية في أخر المطاف. وكانت الرواية سليمة من حيث اللغة وترتيبها وتوظيفها في مختلف السياقات اللغوية مع الانزياح الدلالي فيها. فكانت طريقة حواره، كثيرة ما يكون ساخنا عندما يجري الحديث بين مشهود والسياسيين حال الخلاف في رأي مّا، فيكون الحوار شديدا وقاسيا بناءا على طبيعة المخاطب.

وقد انضمت الرواية كذلك التناص من حيث انفتاح النص السردي على النصوص الأخرى. وشيء من أسلبة الأساليب مثل قوله:” سيكون للخصخصة دور مهم”[9]، فلفظ: خصخصة مصطلح اقتصادي، وهو نوع من الاستراتيجيات الاقتصادية التي تساهم في دعم قطاع الاقتصاد.

وبهذه الجولة القصيرة نقول بأن “جامع أبيولا” قد نجح في عمله الروائي، واستطاع أن يقدّم للقرّاء عملا يستحق التقدير والدراسة.


[1] – لانسي حسن عثمان، قضايا السرد في الروايات المكتوبة باللغة العربية في نيجيريا، بحث ماجستير المقدم إلى كلية اللغة العربية والعلوم الإنسانية، جامعة الوفاق الدولية، نيامي جمهورية النيجر، ص: 89

[2] – جامع أبيولا، الرئيس الذي لم يحكم”، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت لبنان، 2915، ص: 9.

[3] دكتور وليد قصاب، مناهج النقد الأدبي الحديث، رؤية إسلامية، ط، الثانية، 2009م، دار الفكر- دمشق، ص: 118

[4] – ينظر حميد لحمداني، بنية النص السردي، ص: 45

[5] – ينظر، محمد بوعزة، تحليل النص السردي، تفنيات ومفاهيم، ط أولى، 2010م مطابع الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ص: 76

[6] – ينظر ترجمة وإعداد دكتور حسيب إلاس جديد، دراسات في النقد الأدبي، مراجعة لغوية أسستاذ حسن طه، السنجاري، ط أولى، 2013م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص: 24

[7] – ينظر: عبد الله إبراهيم حزيران، المتخيّل السردي، مقاربات نقدية في تناص الرؤي والدلالة، ط أولى، 1990م، المركز الثقافي العربي، ص: 5، نقلا من كتاب بنية النص السردي في روايات آدم يحي الفلاني، سوادغو صفية ن مكتبة وهبة، مصر، ط أولى، 2020م، ص: 33

[8] – جامع أبيولا، الرئيس الذي لم يحكم، ص: 42

[9] – جامع أبيولا، الرئيس الذي لم يحكم، ص: 115

انشر المقال
- كاتب نيجيري، ومحرر قسمي شعوب/عادات و أماكن/شواهد لدى مجلة نيجيريا الثقافية. - باحث دكتوراة في الأدب العربي - جامعة ولاية بوتشي, نيجيريا.