الأدب الإفريقي وجائزة نوبل في الأدب

آدم يوسف أموبولاجي
آدم يوسف أموبولاجي - نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.

إن الجوائز العالمية في أي مجال من المجالات تمنح تقديرا لأشخاص يرى القائمون على أمر هذه الجوائز أهليتهم واستحقاقهم لها، وتتفاوت المعايير التي تقاس بها هذه الأهلية من جائزة إلى أخرى. كما أن بعض الجوائز تلعب دورا فعالا في إذاعة صيت الذين يفوزون بها فتصرف الانتباه إليهم، ويحظون بعناية جمهور كبير في مجالهم الذي فازوا فيه. وجائزة نوبل في الأدب من تلك الجوائز التي استرعت الأنظار، واستولت على قلوب كثير من كبار الأدباء وتمنى البعض منهم الفوز بها, ولعل الأدباء الأفارقة لا يقل حظهم في هذه الجائزة.

فمن هم الذين فازوا بها من أدباء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؟

وهل هناك ملامح من الثقافة الأفريقية في الأعمال التي فازت بهذه الجائزة؟

جائزة نوبل في الأدب وقضية المعايير والاستحقاق

جائزة نوبل في الأدب جائزة أدبية سويدية تمنح سنويا منذ عام 1901م، لأي كاتب – بغض النظر عن بلده-أنتج أميز الأعمال في صورة مثالية بناء على وصية المنتج السويدي “ألفريد نوبل “(Alfred Nobel) في مجال  الأدب. وجدير بالذكر هنا أن عملا بعينه في بعض الأحيان قد يحظى بتقدير اللجنة التي تمنح هذه الجائزة، غير أن المعتاد هو الاحتكام إلى جميع أعمال الكاتب ودراستها ككل أو بوصفها كتلة متراصة. فاللجنة التي تمنح هذه الجائزة تعرف بـ” الأكاديمية السويدية” (Swedish Academy) فهي التي تقرر من يستحق الجائزة. تعلن الأكاديمية أسماء الذين يفوزون بالجائزة في بداية أكتوبر من كل سنة، وجائزة نوبل في الأدب إحدى الجوائز الخمسة النوبلية التي أنشئت بوصية ألفريد نوبل عام 1895م. وقد جرت العادة على تقديم جائزة الأدب في المرحلة النهائية من كل احتفال جائزة نوبل. وقد أجل إعلان الفائزين بهذه الجائزة في بعض السنوات إلى السنوات التي تليها، وذلك في سنة 2018 و 2022.

تجيب الكاتبة الروائية أيلين متسون ( Ellen Matson) – التي تعد عضوا في الأكاديمية السويدية، وواحدة من لجنة تحكيم جائزة نوبل للأدب – عن كيف يتم ترشيح المنافسين في الجائزة قائلة:

“هناك نظام لإجراءت الترشيح لولاه لكانت الخطوات مفعمة بالضبابية والسطحية والعاطفية. لدينا أشخاص في جميع أنحاء العالم وكلنا إليهم عملية الترشيح، فمن بين هؤلاء العلماء الباحثون، والنقاد، والمتحدثون الرسميون للجمعيات الأدبية، وكذلك بعض المؤسسات الأكاديمية، كما أن للحائز على الجائزة مسبقا حق الترشيح، شأن كل أفراد الأكاديمية السويدية في ترشيح من يرونه أهلا للجائزة لذلك تأتينا أسماء كثيرة من كل أنحاء العالم.”

وتستمر أيلين في بيان المعايير الأساسية للحصول على الجائزة في خانة الأدب قائلة:

“كل شيء يتوقف على الجودة والتميز، الجودة الأدبية طبعا. لا بد أن يكون الفائز بالجائزة شخصا يكتب بطريقة متفردة وأسلوب عال، شخص يشعرك وأنت تقرأ أعماله بأن هناك قوة هائلة وقدرة خارقة تجعل كتبه تتسم بأسلوب قوي حيث لا تختلف بدايتها من النهاية قوة، وهكذا في جميع كتبه. العالم مكتظ بكتاب متميزين ولتحصل على الجائزة تحتاج إلى مؤهلات إضافية تتفرد بها دون الآخرين، من الصعب بمكان الإحاطة بهذه المؤهلات فهي مواهب فطرية حسب اعتقادي، يسميها الرومانسيون (الموهبة الإلهية) . فهي بالنسبة لي صوت يصل إلي صداه من الكتابة، أجده من خلال عمل كاتب معين لا غير. يصعب جدا بيان ماهيته لكنني أعرفه متام وجدته. فهو بالاختصار شيء يولد به الكاتب، إنه الموهبة التي أبعادها أوسع لعمل ذلك الكاتب.”

وتقول سارة دانيوس ( Sarah Danius) السكرتيرية الدائمة للأكاديمية السويدية -موضحة المعايير التي يجب أن تتوفر في الأعمال الفائزة بجائزة نوبل في الأدب- طارحة إلى نفسها هذه الأسئلة :

“ماذا يتطلب الحصول على جائزة نوبل في الأدب؟ ما المعلومات التي أعرفها والتي لا أعرفها؟”  أفادتِ الحضور في صالة متحف ناشر ( Nasher’s museum auditorium) قائلة: “كل ما أعرفه أن المعايير سهلة لكنها صارمة. فأنت تمنح هذه الجائزة بأعمال متكاملة مشروع حياتك لا عملا فرديا. يتوقع إبداع شيء جديد سواء من حيث المادة أو الأسلوب أو كلاهما معا. هكذا فقط يمكن الحصول على جائزة نوبل في الأدب.”

وأضافت سارة إلى كلامها: “جائزة نوبل في الأدب تمنح لشخص قدم أكثر الأعمال الأدبية تميزا في نزعة مثالية تعيد” على الإنسانية أعظم عوائد ولا تهمنا الجنسية.”

ومع ذلك؛ لم تخلُ جائزة نوبل منذ المرة الأولى من منحها في عام 1901 من النقد والجدل, حيث كانت هناك خلافات حول استحقاق بعض الذين منحوا الجائزة مع جدالات حول جوائز الأدب والسلام والاقتصاد. وهناك نقاشات أيضا حول عمل الذين منحوا بعض هذه الجوائز  وجداراتهم لها، حيث غالبا ما يتغلب على اختيار الفائز من قبل لجنة الجائزة التحيز السياسي والنزعة الأوروبية, إلى جانب تفسيرات غير موضوعية أحيانا لأعمال بعض الأدباء.

أدباء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجائزة نوبل

لقد حظي الأدب الأفريقي الحديث باعتراف عالمي في أعمال متميزة مثل (الأشياء تتداعي Things fall apart) لتشنو أتشيبي، و ( لا تبك أيها الطفل Weep not the child) لنغوغي وا ثيونغو، ومسرحية ( الموت وفارس الملك Death and the king’s horse man)  لوولي سوينكا.

ويشمل الأدباء الأفارقة – من جنوب الصحراء الكبرى – الذين فازوا بجائزة نوبل أربعة حتى عام 2022:

1 – وولي سوينكا (Wole Soyinka) حاز على الجائزة عام 1986، فهو أول أفريقي يحصل على نوبل في الأدب، وقد اشتهر بثقافته الواسعة، وكونه يتمتع بصوت مطرب في أدائه الذي يجعل العمل الدرامي يحاكي الواقع. وقد ولد سوينكا في مدينة أبيوكوتا نيجيريا. كان والده قسيسا في كنيسة ( Anglican church)  بالإضافة إلى كونه مدير مدرسة. وكانت أمه تملك متجرا، كما أنها عضو نشط في حركة تحرير النساء. وهذه العائلة عائلة يوربوية محضة الأمر الذي جعل الثقافة اليوربوية تظهر بجلاء ووضوح في أعمال سوينكا. بعد إكمال دراسته في نيجيريا ولندن، عمل في مسرح بلندن وكانت انتقاداته للأنظمة السياسية النيجيرية قد أسهمت في بقائه خارج الدولة خاصة في ولاية الأمم المتحدة حيث نال الأستاذية من خلال العمل في جامعات عديدة.

وعُرف سوينكا بأنه مؤلف مسرحي، وهو بالإضافة إلى حركاته الأدبية قد عمل ممثلا في المسرحيات النيجيرية والبريطانية، وأعماله تمتد إلى الشعر والروايات والقصص. فهو يكتب أعماله الأدبية باللغة الإنجليزية إلا أن روح هذه الأعمال مستمدة ومستلهمة من  جذور الثقافة المحلية النيجيرية والثقافة اليوربوية خاصة بما فيها من طريقة حكائية أسطورية التقليدية. فكتاباته تمس القضايا التي تعد صلب الثقافة الغربية مثل تحوله من التراجيديا الكلاسيكية إلى الدراما الحديثة.

ويُعدّ ما كتب سوينكا في الشعر المسرحي من أجمل ما كتب باللغة الإنجليزية على الإطلاق. ومن مسرحياته الجديرة بالذكر “رقص الغابات ” و “الموت وفارس الملك” يتمحور الأول في الكابوس الذي يقض مضجع الشخص الأفريقي في وسط الليل في حلمه بالروحانيات والأشباح والآلهة. وهناك معالم واضحة في  تأثر هذه المسرحية بالطقوس الدرامية الأصلية ودراما إلزابيت،  فالشخصية الرئيسة عند سوينكا التي هي أوغن (Ogun) ظهر بوضفه الخالق والقاهر، ويرى سوينكا أنه يذكرنا بآلهة الشعر أبولو في الثقافة الغربية.

و “الموت وفارس الملك” عبارة عن تراجيديا قديمة تحكي عن  موت بعض الذين ينتمون إلى بعض القوى الخفية بوصفه قربانا انطلاقا من أنه شيء أساسي، فهي تصور العلاقة بين الجنين الذي لم يولد والحي والميت. فقد اعتاد سوينكا إلى الوقوف مع هذه الأمور في أعماله إلا أنه قام بعرضه في هذه المسرحية بشكل أثير ومستفيض، الأمر الذي جعله يؤكد أنه يمثل تحولا خطيرا على العمل المسرحي.

2 – نادين غورديمير ( Nadine Godimer) حازت على جائزة نوبل في الأدب عام 1991،  فقد حازت على الجائزة لأنها استطاعت بأسلوبها الرائع في فن الملاحم أن تخدم الإنسانية. ولدت غوردمير في مدينة سبرنج  ( Springs) بجنوب أفريقيا، كان أبواها يهوديين مهاجرين؛ أبوها لاتفي الجنسية وأمها بريطانية. بدأت غودمار الكتابة وهي في التاسعة من عمرها، وطبع أول عملها وهي في الخامسة عشرة. كانت روايتها المعنونة بـ “المحادثة” (The conversationist) عام 1974 ساعدتها على نيل اعتراف عالمي. شاركت غورديمير في الحركات التي قامت ضد التمييز العنصري (Anti aparthied) منذ انطلاقها الأمر الذي جعل نظام الحاكم في تلك الفترة يتصدى لمنع نشر مؤلفاتها. عاشت غورديمير وعملت في جوهانسبرغ منذ عام 1948.

تشمل أعمال غوردمير على الروايات والقصص القصيرة والمقالات. في فترة ما بين 1960 و 1970 كتبت العديد من الروايات التي تصور حركات المقاومة ضد التمييز العنصري، وقد قامت جماعة تحرير جنوب أفريقيا بجمع أعمالها التي كتبتها في التسعينيات من القرن العشرين .

في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حاولت غورديمير تطوير النمط السردي في كتاباتها وكانت نتيجة هذا التطوير صدور ثلاث روايات تعد من أفضل أعمالها وهي : المحادثة (TheConversationist) 1974 و ابنة بورغير ( Burger’s Daaughter) 1979 و جمهور يوليو( july’s people) كل منها توضح الموقف الشخصي من تناقض المجتمع الأفريقي في إيمانه بالروحانيات و البيئة المادية. جعلت غورديمير تبرير تميز الغربيين عن غيرهم – بما فيهم الخيريون منهم – موضع سؤال ونقاش.

وراويتها “شعب يوليو تحكي” عن حادثة جرت في سويتو ( Soweto) فهذه الحادثة تعد الخلفية التي تبنت غورديمير فكرها في الرواية وخلاصتها أن بعض العصابة المتمردة أرادت أن تلحق بأسرة بيضاء أذى وتسومها سوم العذاب، فاستعانت هذه الأسرة بخادمهم “يوليو ” حيث غادروا إلى بلده ليعيشوا في كوخ. مع مرور الوقت بدأت علاقة السيد والخادم تنقلب رأسا على عقب وذلك باستمرار الأسرة في الاعتماد على يوليو. فالغموض الذي يحدث عنوان الرواية يزول سريعا، إن شعب يوليو هم الأسرة البيضاء، فما زال يخدمهم لكنه أصبح يعد واحدا من أفراد الأسرة.  التقاليد والخشنونة الجسدية التي فرضتها االظروف الجديدة شكلت قلة التفاعل بين الزوجين. حاول الزوج أن يتكلم بأسلوب يختلف عن أسلوبه المعهود سابقا لكنه لم يتمكن فهو حين يريد الحديث عن زوجته يلجأ إلى الضمير “هي ” وليس اسمها ” مورين” ولا ” زوجتي” تلك التي اعتاد عليها من قبل. هكذا كان هناك تحول لغوي واجتماعي للأولاد. فقد توسلت غورديمير بالأولاد في هذه الرواية لتسليط الضوء على نوعية العلاقة بين الكبار لأسباب خاصة بها.

3- جون ماكسويل كوتزي (2003) حاز على جائزة نوبل. فقد كان إلمامه بالعديد من المجالات موضع إعجاب الكثيرين خارج القارة. وفد ولد جون ماكسويل كوتزي عام 1940 في مدينة كيب تاون(Cape town) بجنوب أفريقيا، وكان الأخ الكبير من بين الولدين اللذين زرقا والديه. كانت أمه معلمة في مدرسة ابتدائية، وقد تلقى أبوه تدريبا ليكون محاميا إلا أنه لم يمارس ذلك إلا في فترة قصيرة بين عام 1941 – 1945 م. خدم مع معسكرات جنوب أفريقيا في شمال أفريقيا وإيطاليا. كانت لغة الحديث التي تربى عليها كوتزي اللغة الإنجليزية، وإن كان أبواه لا يجيدانها بطلاقة تامة. درس كوتزي المرحلة الابتدائية في كيب تاون في مكان قريب إلى مدينة (Worcester) ودرس المرحلة الثانوية في كيب تاون بمدرسة يديرها الكاثوليكيون تسمى بـ (Marist brothers) وتخرج منها عام 1956م. وبعد ذلك التحق بجامعة كيب تاون (University of Cape Town) عام 1957 في عام 1960 و 1961 حصل بكالوريوس في الإنجليزية والرياضيات بمرتبة الشرف. قضى فترة ما بين 1962 – 65 في إنجلترا يعمل كمبرمج الحاسوب وفي الحين نفسه يعد أطروحة حول الروائي الإنجليزي(Ford Madox Ford). وفي عام 1965 التحق بقسم الدراسات العليا في جامعة تكساس حيث نال شهادة الدكتوراه في اللسانيات الإنجليزية واللغات الألمانية عام 1968.

وبدأ كووتزي مسيره الأدبي سنة 1969 وذلك بإصدار أولى رواياته (Dusklands) طبعت في جنوب أفريقيا 1974، وروايته في وسط البلاد (In the heart of the country) فازت بالوسامة الأدبية الرئيسية بجنوب أفريقيا1977جائزة (CNA) وقاموا بطباعتها في إنجلترا وولاية الأمم المتحدة الأمريكية، وروايته في انتظار البرابرة ( Waiting for barbarians) 1980 حظيت باعتراف دولي، ونال شهرته بروايته حياة مايكل كي وأوقاته ( Life and time of micheal k) 1983 وهي التي فازت بجائزة كتاب بريطانيا، ثم تليها روايته عدو ( Foe) 1986 و ( عصر الحديد) 1990 و ( The master of petersburg) 1994 و خيبة (Disgrace) 1999 والتي فازت أيضا بجائزة كتاب بريطانيا.

4 – عبد الرزاق قرنح الحاصل على جائزة نوبل عام ( 2021) لما  يتسم به من ” حسن استبصار خال من أي مساومة لآثار الاستعمار، ولتعاطفه مع قدر اللاجئ العالق في هوة الاختلافات بين الثقافات والقارات”.

وتعد قضية اللاجئين من القضايا المحورية التي اهتمت بها أعمال غورنا. فهو من مواليد (1948) نشأ في جزيرة (زنجبار) التابع لتنزانيا. كان غورنا من أصول عربية يمنية. لكنه في الستينيات من القرن العشرين رحل إلى بريطانيا حيث استقر نهائيا بناء على ما تعرض له الأقلية المسلمة من ضغوطات واضطهاد لمغادرة البلاد. فأعماله الروائية تصور شرق إفريقيا بثقافاته المتنوعة. كانت رواياته الثلاث الأوائل ذكرى الرحيل ( 1987) و طريق الحاج(pilgrim way) 1988 و ( Dottie) (1990) عبارة عن وثيقة تصف تجربة اللاجئين إلى بريطانيا من نواح متعددة. وروايته الرابعة الجنة ( Paradise) 1994 تبين الاستعمار في شرق إفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى وقد فازت بجائزة ( Booker prize for fiction) وروايته الإعجاب بالصمت ( admiring silence) ( 1996) تحكي قصة شاب يقطن مدينة زنجبار ثم هاجر إلى بريطانيا حيث تزوج وأصبح أستاذا. وكانت عودته إلى بلده بعد عشرين سنة من البقاء في المنفى أثرت في طريقته في التعامل مع نفسه وعلاقته الزوجية. وروايته عن طريق البحر ( by the sea) 2001 حكاية على لسان صالح عمر سيد الباحثين عن اللاجئين فهو يقطن مدينة ساحلية بريطانية.

ومن أعماله التي صدرت حديثا (desertion) 2005، وفازت بجائزة ( Common wealth Writers) 2006، والهدية الأخيرة  ( The last gift) 2011، و قلب الحصى ( Gravel heart) 2017، و الحياة بعد الموت ( Afterlives) 2020. وهو بالإضافة إلى كل حركاته الأدبية أستاذ للغة الإنجليزية وأدب ما بعد الاستعمار في جامعة كنت.

أدباء أفارقة وجدلية الاستحقاق والجدارة بجائزة نوبل

ثمة أدباء لا تقل أعمالهم روعة وانتشارا على مستوى القارة بل على مستوى العالم من هؤلاء الذين فازوا بجائزة نوبل. وعلى سبيل المثال: وجدت الأكاديمية السويدية التي تمنج جائزة نوبل نفسها في فضيحة في عام 2018 مما أدى إلى عدم منح جازة نوبل للآداب في ذلك العام. وظهرت مجموعة سويدية أخرى أطلقت على نفسها اسم “الأكاديمية الجديدة” وتولت المسؤولية للإعلان عن “جائزة الأكاديمية الجديدة في الأدب”, وحصولها على قائمة من 47 مرشحًا شمل أسماء أدباء مثل: كيم ثوي (من فيتنام / كندا) و نيل جايمان (المملكة المتحدة) و هاروكامي (اليابان) و ماريز كوندي (جوادلوب) و نغوغي وا ثيونغو (كينيا) و تشيماماندا أديتشي (نيجيريا) و ندي أوكورافور (نيجيريا / الولايات المتحدة الأمريكية). وفاز ماريز كوندي بالجائزة في النهاية لأعمالها “التي تستكشف العبودية والاستغلال.”

جدير بالذكر أن من بين كبار الأدباء الأفارقة الذين يعتقد الجمهور ومتابعو الأدب الأفريقي جدارتهم بجائزة نوبل للأدب:

1 – تشينو أتشيبي: يعد الروائي النيجيري أتشيبي في طليعة الأدباء الذين يراهم الكثير أهلين لجائزة لتفوق أعماله وتميزها، فكتابه ( الأشياء تتداعي) قد صور للعالم الأهمية الكامنة في معرفة أهمية اللغة كما بين الواقع الحقيقي للإنسان الأفريقي المعاصر وتاريخه. فهو لم يعكف في خدمة المجتمع على الأنشطة الأدبية فحسب بل رفع شأن نيجيريا وأفريقيا من خلال تحقيق بعض مطامحه، كما ساعد في إعادة رسم مفهوم التاريخ الأفريقي، وثقافته، ومكانته بين الأمم الأخرى.

فقد حصل أتشيبي على عدة جوائز ووسامات تدل على تميزه غير أنه لم يحصل جائزة نوبل! فما السبب في ذلك؟

وعندما فاز وولي سوينكا بجائزة نوبل بوصفه أول أفريقي على مر التاريخ يحصل على الجائزة انضم أتشيبي إلى العديد من النيجيريين الذين هنؤوا سوينكا مشيدا بأن ” سوينكا صاحب عرض مذهل قوي مفعم بحيوية”. وقال هو ” بشكل واضح يستحق أية جائزة”.

وفي عام 1988، عندما سئل أتشيبي عن شعوره وهو لم يوفق بجائزة نوبل, رد قائلا: “هي وإن كانت جائزة في غاية الأهمية غير أنها جائزة أوروبية وليست أفريقية”.

وثمة أشخاص يؤمنون بأن شخصية أتشيبي كانت عرضة للاستخفاف كونها لم توفق بالجائزة – فهؤلاء أهملوا الأعمال التي يسعى أتشيبي لتحقيقها لأفريقيا. فأتشيبي بلا منازع ومدافع أكبر أديب عرف العالم بالأدب النيجيري والأفريقي. واللافت للانتباه أنه عصامي شق طريقه إلى العلا معتمدا على نفسه، ومن ثم صنع الآخرين. كما أنه بعد صدور كتابه ( الأشياء تتداعي) قام بإنشاء رابطة كتاب أفريقيا ( Heinemann group’s African Writers series) الذي تصدر منه أعمال كتاب أفارقة آخرين بهدف تصحيح السخرية والتعصب الذي يتعامل به كتاب أوروبا مع قضايا القارة. فقد ترك أتشيبي بصمة في كل كاتب أفريقي ملحوظ يصدر له كتاب منذ الستينيات من القرن العشرين.

وعليه, كان الرأي السائد أن كتابته وفق المنظور الأفريقي دون تمجيد الثقافة الأوروبية أو إعلاء شأن الغرب قد تكون السبب في عدم حصول أتشيبي على جائزة نوبل في الأدب.

2 – نغوغي وا ثيونغو: بالرغم من شبه الاتفاق في الآراء حول أهمية أعمال نغوغي وجدارته بجائزة نوبل للأدب لجهوده الأدبية القيمة, إلا أن هناك من يعتقد أن أعماله لا يمكن أن تحظى باعتراف يؤهله للفوز بالجائزة بناء على مكانة الجائزة العالمية مقارنة بأعمال نغوغي المكتوبة بلغته المحلية ( كيكويو) ومواقفه الأدبية والفكرية. وقد رُشِّح نغوغي للجائزة عدة مرات لكنه لم يفز بها بناء على نقداته اللاذعة الموجهة للاستعمار، ودعوته الملحة إلى الكتابة باللغات الأفريقية بدل اللغات الأوروبية وغيرها من الأفكار.

جدير بالذكر أنه رغم الانتقادات والنقاشات المثارة حول جائزة نوبل وانحيازها لرواية محددة عن إفريقيا وتجاهل أدباء مستحقين لها بسبب مواضيع أعمالهم أو مواقفهم التي لا تتوافق مع النمطية الأوروبية أو المركزية الغربية؛ فقد حظيت الجائزة في عام 2021 اهتماما بين أصحاب الأدب الإفريقي ومتابعيه بعد فوز عبد الرزاق قرنح.

وترى الكاتبة التوغولية كوسي أيفوي ( Kossi Effoi) “أن منح هذه الجائزة قد يكون سببا في نهضة الأدب الأفريقي”.

ومن النقاط المثارة أيضا أن أغلب الكتاب الأفارقة الذين يكتبون باللغة الفرنسية أو اللغات الأفريقية لم تحظ أعمالهم بالترجمة إلى الإنجليزية, وهذا يعني تلقائيا قلة مباشرة أصحاب الجوائز العالمية والغربية للأدب الإفريقي قراءة واستيعابا.

وصرّحت ڨنيس تومار التي تدير مكتبة خاصة بالأدب الأفريقي في برلين ألمانيا قائلة: “إن حركة حياة السود مهمة, إذ لفتت انتباه الكثير من المنصات الإعلامية من حيث الاهتمام بالناس على اختلاف ألوانهم في كل أنحاء العالم,” مضيفة أنه “قد كان هناك يقظة في قلوب كثير من البيض الذين يحاولون نقد أنفسهم؛ فهم يريدون أن يعرفوا وينفتحوا على العوالم التي تختلف عن عالمهم”.

وأخيرا, فإن حصول مزيد من الأدباء الأفارقة على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل سيعرف الناس بالقارة أكثر ومدى ما فيها من عقول متوقدة، ويحفزهم على البحث عن حقيقتها المشوهة، ويعيد إلى الأجيال الصاعدة أملا في ممارسة الأدب لأن الحصول على هذه الجائزة كاد يكون حلما يرى بعضهم أنه لا يمكن تحقيقه بالتميز وإنما بإرادة القائمين على منح الجائزة.

مراجع

آدم يوسف أموبولاجي(2023). “نغوغي وا ثيونغو”: أهمية اللغة الأم ودور المثقف الأفريقي في “فترة ما بعد الاستعمار.” نيجيريا الثقافية (اطلع عليه في 20 مايو 2023): https://shorturl.at/cpQ37

Ahmed, O. O. A. E. (2014). Characteristic Features of African Literature as Embodied in Four of Chinua Achebe’s Novels (Doctoral dissertation, University of Gezira): https://shorturl.at/ekmo0

Alexandra Alter & Alex Marshall (2021). “Abdulrazak Gurnah Is Awarded the Nobel Prize in Literature.” The New York Times (visited on 20 May 2023): https://shorturl.at/cxJR9

Annabelle Steffes-Halmer (2021). “Can the Nobel Prize revitalize African literature?” Deutsche Welle (visited on 20 May 2023):

Ayomide Akinbode (2019). “Why Chinua Achebe never won the Nobel Prize in Literature.” History Ville (visited on 20 May 2023): https://tinyurl.com/5n7n44ye

De Gruyter (2008). Part One. The Literary and Cultural Context of West African Literature in English. In The Columbia Guide to West African Literature in English Since 1945 (pp. 1-50). New York Chichester, West Sussex: Columbia University Press. https://doi.org/10.7312/owom12686-001

Hammed J. Sulaiman (2021). “Nobel Prize and African Literature: What Abdulrazak Gurnah’s Feat Means for Africa.” Alafarika for Studies and Consultancy (visited on 20 May 2023): https://shorturl.at/agjLZ

https://shorturl.at/lzMWX

NobelPrize.org. “All Nobel Prizes.” Nobel Prize Outreach (visited on 20 May 2023): https://shorturl.at/hBR56

NobelPrize.org. “Behind the scenes of the Nobel Prize in Literature.” Nobel Prize Outreach (visited on 20 May 2023): https://tinyurl.com/2emh83t3

Ojaide, T. (1992). Modern African literature and cultural identity. African Studies Review, 35(3), 43-57.

Zoe Norridge (2010). “Why Ngugi wa Thiong’o should have won the Nobel prize for literature.” The Guardian UK (visited on 20 May 2023): https://shorturl.at/jxTW3

انشر المقال
بقلم آدم يوسف أموبولاجي نائب مدير التحرير والمدقق اللغوي.
- باحث نيجيري مهتم بالأدب والنقد. - طالب ماجستير في الدراسات الأدبية - جامعة القصيم.