“زبيبة في الشمس” : هويات متشابكة في عالم سينمائي

المحمدي ماجدة
المحمدي ماجدة

إنَّ تأثير الأعمال السينمائية يكمن في قدرتها على انعكاس وتجسيد الثقافة والمجتمع الذي يعرض فيه العمل. عندما يحاكي العرض السينمائي الواقع الثقافي والاجتماعي للجمهور المستهدف، يزيد من فرص نجاحه وقبوله بشكل كبير.  إذ تحاول الأعمال المسرحية والسينمائية أن تعبر عن هويات الشعوب وتبرز عاداتهم وتقاليدهم، وهذا يتيح للجمهور فهما أعمق للثقافة والتراث الذي يتبنونه. بمحاكاة الواقع وتقديم صور واقعية للمجتمع، يمكن للسينما أن يلامس قلوب الجماهير وعقولها بفاعلية لتحقيق ذلك، إذ يجب على الممثلين أداء أدوارهم بمهنية عالية وتمثيل حيوي ينعش الشخصيات ويجعلها قريبة من الجمهور. كما يعتبر توظيف الآليات والتقنيات الحديثة في الإنتاج مهمًا لجعل العرض جذابًا ومميزًا، ما يساهم في جذب انتباه الجمهور وتحقيق نتائج فعالة.

بهذا الشكل، يصبح العمل السنيمائي وسيلة لفهم ومشاركة تجارب وآراء مختلفة، ما يعزز التواصل الثقافي والاجتماعي بين الأفراد والمجتمعات. واعتمادا على هذا يمكن القول إنَّ فيلم “A Raisin in the Sun” (زبيبة في الشمس) حظي بتلك الأمور انطلاقًا من شهرته الواسعة، ونظرًا لتحوله من مسرحية إلى عمل سينمائي.

ويضاف إلى ما سبق أن عرض الفيلم وفهم هدفه يعززان التوجيه نحو الجوانب الجذابة للثقافة الإفريقية وكيفية تجسيدها بشكل مميز في العمل، هل استطاع هذا الأخير بالفعل أن يكون سفيرًا فنيًا لهذه الثقافة؟ هل وفق في تحقيق هدفه في نقل القيم والتقاليد الإفريقية النيجيرية بشكل فعال؟ هل وصف مفهوم الهوية والحفاظ عليها؟

السيرة الذاتية للمؤلفة

وُلدت لورين هانسبري في 19 مايو 1930 في شيكاغو، كانت حفيدة لشخص حر من العبودية، وكانت أصغر أربعة أطفال. تأثرت بتجارب عائلتها مع العنصرية والانتقال إلى حي أبيض والهجوم العنيف الذي تعرضوا له. وتُعدُّ واحدة من أبرز الكتاب في النصف الثاني من القرن العشرين. كتبت مسرحية “A Raisin in the Sun”، التي تتناول قصة عائلة سوداء تعاني التحديات، وقد نجحت المسرحية بشكل كبير على مسرح برودواي. هانسبري كانت أول كاتبة أمريكية سوداء تفوز بجائزة نقاد نيويورك، وكانت أصغر كاتبة تحقق هذا الإنجاز.

أما فيما يخص التعليم: فقد كسرت هانسبري تقاليد عائلتها بالتسجيل في جامعات السود في الجنوب واختارت الالتحاق بجامعة ويسكونسن في ماديسون. وكتبت مسرحية “A Raisin in the Sun” التي أُنتِجت على مسرح برودواي في عام 1959 وحققت نجاحًا هائلًا. وشاركت في حقوق الإنسان وكان لها دور بارز في الحركة الأمريكية من أجل المساواة.

توفيت هانسبري في 12 يناير 1965، عن عمر يناهز 34 عامًا، بسبب سرطان البنكرياس. ويمكن اعتبار مسرحيتها “A Raisin in the Sun” إرثًا وتُعدُّ واحدة من ركائز المسرح الأمريكي. وكُرِّمَت بجوائز عديدة، وكان لها تأثير كبير على الحركة الأدبية والثقافية. ونُشِرَت مقالاتها ومقابلاتها بعد وفاتها في كتاب بعنوان “To Be Young, Gifted and Black”، الذي وُظِفَ في المسرح وحقق نجاحًا كبيرًا. وتحولت “A Raisin in the Sun” إلى عمل سينمائي بواسطة المخرج الأمريكي دانيال بيتي.

مخرج الفيلم

دانيال بيتري (1920-2004)، مخرج سينمائي كندي-أمريكي، أخرج فيلم “A Raisin in the Sun” في عام 1961, وقاد عدة مشاريع ناجحة. وُلد في كندا وعمل بتنوع في مجالات السينما والتليفزيون. أبرز أعماله تشمل “Fort Apache, The Bronx” ومشروع “Eleanor, First Lady of the World”. وافته المنية في 2004 في لوس أنجلوس، كاليفورنيا.

ضم الفيلم مجموعة من الممثلين منهم: سيدني بواتييه، و كلوديا مانتيل، و راثيرين بويد، و ديانا ساندر.

ملخص الفيلم

“Raisin in the Sun” هو فيلم يحكي قصة عائلة اليونغر، التي تعيش في حي فقير في شيكاغو. الماما لينا يونغر تتلقى مبلغًا من المال بعد وفاة زوجها، وقررت استخدامه في شراء منزل جديد للعائلة.

تبدأ المشكلة عندما تختلف التوجهات داخل العائلة. الابن الذي اسمه والتر يحلم باستخدام جزء من المال ليستثمر في مشروع خاص، بينما تحلم الشقيقة بيني بحياة مختلفة. تتداخل الأحلام والتحديات، والعائلة تجد نفسها في مواجهة مشكلات اقتصادية واجتماعية.

الفيلم يتعامل مع موضوعات مهمة مثل الفقر والعدالة الاجتماعية والهوية الثقافية، ويروي القصة بطريقة تركز على الحياة اليومية للأفراد وكيف يتعين عليهم تحقيق أحلامهم وسط الظروف الاجتماعية الصعبة، وهذه الأخيرة التي سوف تكون محور دراستنا النقدية.

الزمكانية في الفيلم السنمائي

تتراوح مدة العرض: 2:10:55تختلف المدة باختلاف نسخ الفيلم “Raisin in the Sun” هو حوالي ساعتين، حسب النسخة والترتيب الزمني للأحداث. يمكن أن تختلف المدة بين النسخ المختلفة من الفيلم، لكن بشكل عام، يمثل الفيلم قصة متكاملة على مدار هذا الزمن، يتم خلالها تطوير الشخصيات وحبك القصة السردية.

أ- الشقة الأصلية: تدور أغلب الأحداث في البيت الصغير تتمحور القصة حول عائلة يونغر التي تعيش في شقة ضيقة في إحدى المناطق الفقيرة في شيكاغو. تعد الشقة المكان الرئيس الذي تجري فيه الأحداث الرئيسة للفيلم، حيث يظهر تأثير ضيقها على الحياة اليومية لأفراد العائلة وعلاقاتهم. ومن خلال الشقة يُستكشف العديد من الشخصيات والقصص من خلال الديكور والتصوير الداخلي لها.

والشقة تعكس الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تواجهها العائلة، وتصور بطريقة تعكس الضيق والاكتظاظ والصعوبة في التنقل داخلها. يتناول الفيلم العديد من الموضوعات المهمة والتحديات التي تواجه الأسرة داخل هذا المسكن الصغير، وتتجلى فيه العلاقات العائلية والطموحات الشخصية وتأثير الظروف الاجتماعية على الأفراد.

ب- المكتبة: في فيلم “A Raisin in the Sun”، تظهر المكتبة في إحدى المشاهد الرئيسة كمكان هام في الحياة اليومية للشخصيات. عادةً ما تُظهر المكتبة كمكان للتفكير والدراسة أو للاسترخاء والاستمتاع بالقراءة. وقد تكون المكتبة في الفيلم مكانًا هادئًا ومريحًا يسمح للشخصيات بالابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية والتفكير في مشكلاتهم وتطلعاتهم. كما قد تُستخدم المكتبة مكانًا للبحث والتعلّم، حيث يمكن للشخصيات العثور على المعلومات التي يحتاجون إليها أو قراءة الكتب التي تهمهم.

وقد يُظهر الفيلم المكتبة مكانًا تجتمع فيه الشخصيات لمناقشة الأفكار أو الخطط المستقبلية، مما يجعلها مكانًا حيويًّا في تطور القصة والشخصيات. وبشكل عام، تُستخدم المكتبة عنصرًا في الفيلم لتوفير مساحة للتفكير والتعلّم والتواصل بين الشخصيات، وتعزيز القيم الثقافية والتعليمية التي يحملها الفيلم.

ج- الملهى الليلي: في بعض الأعمال السينمائية والدرامية، يمكن أن يُظهر الملهى الليلي كمكان مهم في تطور الحبكة وتطور الشخصيات. يُعدُّ الملهى الليلي في السينما مكانًا حيويًّا ومليئًا بالحياة، حيث يجتمع الناس للاستمتاع بالموسيقى والرقص والترفيه. وقد يُصوَّر الملهى الليلي في الفيلم بأسلوب يظهر جوهره الديناميكي والمثير، حيث تظهر الأنوار الساطعة والموسيقى الصاخبة لإنشاء جو مثير ومليء بالحيوية.

قد تدور الأحداث في الملهى الليلي حول لقاءات حاسمة بين الشخصيات، أو قد تحدث هناك مفاجآت غير متوقعة، أو حتى يُظهر الملهى الليلي جانبًا مظلمًا من الحياة مثل الإدمان أو الجريمة. وبشكل عام، يمكن أن يكون الملهى الليلي في السينما مكانًا هامًا، يساهم في تطوير الحبكة وتعميق الشخصيات وإضفاء جو من التشويق والتوتر.

د- البيت الجديد: المنزل الذي تسعى العائلة إلى شرائه يُظهر كمكان محوري يرمز إلى التغيير والطموح. ففي سياق فيلم “A Raisin in the Sun”، البيت الجديد يمثل رمزًا للطموح والأمل للعائلة الرئيسة. بعد أن تتلقى العائلة تعويضًا بعد وفاة والدهم، يتمكنون من شراء بيت جديد في حي أبيض يُظهر الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وفي العموم، يُعدُّ البيت الجديد مكانًا هامًا في تطور الحبكة وتطور الشخصيات، حيث يمثل التحول والتطور الشخصي والاجتماعي للشخصيات الرئيسة.

هـ- مكان عمل الشخصيات: تحدث بعض المشاهد في مكاتب العمل الخاصة بالشخصيات، ما يلقي الضوء على جوانب من حياتهم المهنية. وتمثل هذه الأماكن محيطًا ذا أهمية كبيرة في تطور الحبكة السينمائية وفهم شخصيات الفيلم. من خلال تنوع الأماكن، يتمكن الفيلم من استكشاف تأثير البيئة والثقافة على القصة وتطور الشخصيات.

عنوان الفيلم

من خلال قراءة أولية للعنوان نجده يلفت الانتباه ويثير فضول المشاهد الناقد، حيث يجد المشاهد المتمعن في العنوان نفسه أمام العديد من الأسئلة والانتباه ويدعونا إلى التأمل في معناه، ويتيح لنا تفسيرات متعددة، حيث يمكن أن يرى البعض العنب في الشمس رمزًا للنضوج والازدهار، أو أن نربطه بتحديات الحياة، “الشمس”، وتعزيز فكرة أنَّ الحياة يمكن أن تزهر حتى في أصعب الظروف.

نطرح السؤال التالي: هل العنوان يمزج بين الرمزية والثقافة؟

المنظور النقدي

يعد الفيلم عملًا سينمائيًّا يعكس الواقع المؤلم للأفارقة الأمريكيين الذين عاصروا حقبة ما بين نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. فهو عمل فني يتميز بالعمق والتعقيد، حيث يسلط الضوء على قضايا العدالة الاجتماعية والهوية الثقافية. ويمثل قطعة فنية لها تأثير كبير في عالم السينما والمجتمع، حيث يركز على قضايا تمس الإنسانية بشكل عام والزنوجة بشكل خاص، فهو غني بالتفاصيل الهوياتية التي تتجسد بشكل مختلف لشخصيات الفيلم، باعتبارها رمز القوة والكرامة للأفارقة الأمريكيين.

نجد بطلة الفيلم لينا الملقبة ب “ماما”: شخصية قوية تستمد القوة والحكمة من ماضيها العريق وتبرز قيمها الدينية المسيحية في كلامها وتمرير رسائل تخص العيش بكرامة دون اللجوء للآخر، الذي يتجلى في عدة مشاهد من بينها دكان الخضر والفواكه “التفاحة الفاسدة” فرغم الصعوبات والعراقيل لا زالت تتطلع بنوع من الأمل والتحرر من الصعوبات.

كمشاهدة وقارئة لمجريات هذا الفيلم السينمائي ولحبكة قصة يمكن القول إنَّ شخصية “بينيتا” “وأساجاي” هي شخصيات ثانوية في الفيلم، لكنهما عنصران مهمّان في تبيان الهوية والتراث الإفريقي بشكل واضح وملموس، وعلاقة بينيتا مع أساجاي رمز التصاعد والتفاهم والاحترام المتبادل بينهما، وتُظهر كيف يمكن للعلاقات الشخصية أن تلعب دورًا في تشكيل الهوية والتأثير على القرارات.

ترغب “بينيتا ” في الالتحاق بالجامعة من أجل العلم وتحقيق الهدف هذا من جهة يعكس تطور المجتمع النسوي في تلك الفترة، ومن جهة أخرى التعرف إلى مختلف الثقافات خاصة المجتمع الإفريقي فهي شخصية غير ثابتة ومعقدة منذ البداية إذ تواجه صراعًا داخليًّا متجليًّا في الثقافة الأمريكية والإفريقية، لكنه في الأخير هذا الصراع سيحدد مسارها الهوياتي وذلك في لقائها “بأساجاي” وهو شاب من نيجيريا يدرس بالولايات المتحدة الأمريكية، عنصر حي يعتنق الثقافة الإفريقية ويحافظ على هويته النيجيرية المتمثلة -داخل المشاهد- في استعماله بعض الكلمات النيجيرية “btha no” وحديثه عن تراث نيجيريا وهديته لحبيبته “بينيتا” المتمثل في الزي النيجيري الأصيل. هذه الأمور التي قد تظهر بسيطة لكن عمقها ورمزيتها أكبر من ذلك، فهي تجمع وتؤكد شخصية أساجاي كشخص يحترم ويقدس ثقافته.

كما أنَّه يعطي الموعظة والحكم ولا يمكن أن نبني أحلام عائلة انطلاقًا من موت رب الأسرة لا بُدَّ أن نبني أحلامنا انطلاقًا من أنفسنا هكذا هم الأفارقة الحقيقيون المناضلون من أجل العيش والكرامة. فأمريكا بالنسبة له مجرد بلد على الخريطة فهو يدرس ويعيش فيها دون التأثر بها، هذا هو الرجل النيجيري الذي لقن درسًا حقيقيًّا لبينيتا وحاول أن يردها لأصولها الإفريقية. والرسالة لا تخص بينيتا فقط؛ بل كل إفريقي يريد التملص من هويته الحقيقية.

“بينيتا” كدراسة نقدية لهذه الشخصية، فهي  -كما قلنا سابقًا- شخصية معقدة، والصراع الداخلي الهوياتي التي تمر به يمكن طرح الأسئلة التالية:

  • هل تشير تصرفات بينيتا أو تفكيرها إلى صراعات داخلية تتعلق بالهوية وهل تواجه تحديات في فهم نفسها وتحديد مكانها في المجتمع؟
  • هل يتساءل الفرد عن مدى اعتزاز بينيتا بالهوية الإفريقية؟ هل تراها جزءًا من تكوينها الشخصي أم أنَّها مجرد رد فعل للتمييز العنصري والضغوط الاجتماعية؟
  • هل يُعدُّ التمييز العنصري والمشكلات المالية للأسرة عوامل تشجع بينيتا على البحث عن هوية جديدة وهل يتجلى ذلك في قراراتها وتفكيرها؟
  • هل يمكن للعلاقة العاطفية أن تكون عاملًا رئيسًا في تكوين صورة بينيتا الذهنية والثقافية؟

في ختام النقاش، فيلم “زبيبة في الشمس” يُعدُّ تحفة سينمائية تستكشف التعقيدات المرتبطة بالهوية والثقافة والتحديات الاجتماعية التي يواجهها الأمريكيون من أصل إفريقي. تُضفي الشخصيات، لا سيما لينا وبينيتا وأساجاي، طابعًا فريدًا على الرواية، حيث يقدمون استكشافًا عميقًا للهوية الشخصية والثقافية في إطار مجتمع قائم على التغير.

انشر المقال
طالبة بمسلك الدراسات الافريقية/جامعة محمد الأول بوجدة, المملكة المغربية.